نقلا عن صفحة رحاب منى شاكر على فيسبوك
“عندما لا يكون الوقتُ كافيًا، تُخلق الروايات”، هذا هو الإهداء الذي كتبته لي الصديقة سوزان خواتمي على روايتها “ربع وقت” التي أرسلتها إليّ العام الماضي. وعندما سألتها اليوم على الهاتف ماذا تقصد بـ “ربع وقت”، قالت لي، بما معنى، إننا لا نملك الوقت الكافي للعيش الجيد، كل شيء يأتينا ناقصًا، حتى أننا لا نتمكن من التعلم من أخطائنا فعلًا، لأننا سنكتشف دائمًا أنه فات الأوان. ربما لا نعيش من عمرنا الذي يمتد سنين طويلة سوى ربعه.
تنقسم الرواية إلى خطين رئيسين: الأول يتتبع الحياة العاطفية والمهنية للصحفية نائلة. والثاني يتتبع الحياة السياسية والاجتماعية لمدينة حلب في الشهور الأولى من انطلاقة الثورة السورية.
الشيء الذي لفتني في سيرة نائلة هو أنها تزوجت ثلاث مرات. المرة الأولى تزوجت رجلًا يحبها جدًا، ولكنها لم تكن تحبه. وطلبت منه الطلاق حالما بدأت تكن مشاعر الحب لرجل آخر. لم يعاندها زوجها الأول ومنحها الطلاق، ولكنها اضطرت أن تتخلى عن ابنتها مقابل ذلك. زواجها الثاني كان مع ذلك الرجل الذي أحبته جدًا، ولكن مشاعره حيالها انقلبت مع الوقت وبدأت تفقده شيئًا فشيئًا، حتى اضطرت في النهاية أن تتركه كي لا تخسر نفسها نهائيًا. ولكنها ظلت تحبه ولم تتمكن من نسيانه حتى بعد طلاقها منه وزواجها من رجل آخر. أما زواجها الثالث، فقد كان عقلانيًا بالدرجة الأولى، ولم يتم إلا بعد أن تمكن الشريكان من وضع لائحة من الشروط التي سيسيران وفقها. وحسب تقديري، فإن الزيجات الثلاثة كانت فاشلة. يعني لا فرق بين حب مبني على العقل أو على القلب، ولا فرق بين شريك نحبه أو شريك يحبنا، ففي جميع الحالات سنبقى أمام معضلة كبيرة، وهي أننا سنتعلق بشخص منفصل عنا، لا نملك أن نحدّ من تقلبات مشاعره نحونا أو العكس.
رواية سوزان خواتمي نسوية بامتياز في رأيي، وهذا لأنها استطاعت أن تقدم لنا شخصية نسائية غير تقليدية في خياراتها، ومع ذلك جعلتنا نحبها ونقدرها. وكذلك الثيمات النسائية المنتشرة في الرواية من أولها إلى آخرها: الأمومة، الإجهاض، تعدد الزوجات، الحب، الخيانة الزوجية، الطلاق، والاغتصاب في المعتقل وغير ذلك. كل هذه الثيمات تمت صياغتها بحس نسوي لا يتزاحم ليظهر نسويًا، ولكنه ينساب من القلم لأنه جزء من الحياة. لذلك تبقى مساهمة المرأة في الكتابة الأدبية في غاية الأهمية، لأنه قلما استطاع كاتب رجل أن يهتم بهذه الثيمات بهذه الكثافة العفوية.
الخط الثاني للرواية يدور عن حلب والتطورات السياسية في فترة 2011. انطباعي أن هذا الجزء من الرواية تقليدي إلى حد ما، لأنه يتبع الرواية الرسمية للمعارضة عن الثورة بشكل شبه حرفي. كشخص يتابع الأحداث منذ بدايتها، لم أشعر أن الرواية كشفت لي جديدًا، ولكن قد يختلف الأمر بالنسبة للأجيال القادمة أو للقراء الذين لا يعرفون حلب جيدًا. أقصد حلب قبل أن تتدمر وتلبس ثوب الحداد. من هذه الناحية يمكننا اعتبار الرواية جزءًا من رواية أكبر لم تكتمل بعد. ماذا حصل بحلب بعد 2011؟ هل ستتجرأ سوزان خواتمي أن تكتب لنا حول حلب الجديدة؟ لا بد أن تلك الكتابة ستكون في غاية الألم.
تنهي سوزان روايتها الحالية بفقرة تعلن فيها بطلة الرواية نائلة أنها لم تعد تفكر بحبيبها (زوجها الثاني) وأنها تخلصت من تعلقها به: “الحرية والوحدة يقتات أحدهما على الآخر ويكبران معًا، تخليك عن كل شيء وكل شعور يعيدك كائنًا حرًا، أما تعلقك بالأشياء والأماكن والأشخاص، فيجعلك كائنًا مستعبدًا للأشياء والأماكن والأشخاص”.
هذا يعني أن الكاتبة حلّت معضلة الحب بفك التعلق. بالنسبة لي هذه النتيجة تناسبني في هذه اللحظة من حياتي. لذلك أغلقتُ الرواية مرتاحة، وبدأت فورًا بكتابة هذه المراجعة القصيرة. شكرًا صديقتي سوزان. بانتظار المزيد.
صدرت رواية ” ربع وقت” عن دار ميم في 2020