ميسون محمد| شبكة المرأة السورية
لعبت الحرب الدائرة في سوريا منذ كثر من عشر سنوات دوراً خطيراً في حياة الملايين من السوريين، الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة تحديات كبيرة في محاولة التأقلم مع المجتمعات المضيفة التي نزحوا إليها، فثمة اختلافات جوهرية بين القيم والمعتقدات التي نشأ عليها السوريون في بلدهم، وتلك السائدة في مجتمعات اللجوء. فبينما تؤكد تلك المجتمعات على الحريات الفردية واستقلالية أفراد الأسرة، تميل الثقافة العربية السائدة في سوريا إلى تقييد تلك الحريات، ما يفضي إلى صدامات وأزمات داخل الأسرة اللاجئة، خاصة فيما يتعلق بقضايا الحرية الشخصية للمرأة، الأمر الذي يجعل التأقلم مع المجتمع المضيف أمراً صعباً.
تتحمل المرأة السورية اللاجئة وطأة النزوح واللجوء، إذ تواجه الفقر والعنف والتمييز بأشكاله المختلفة، ومن بين الفئات الأكثر تضرراً، نجد المطلقات اللواتي فقدن أزواجهن أو انفصلن عنهم بسبب الحرب أو الظروف المعيشية، إذ يعشن ظروف صعبة جداً في بلدان اللجوء، خاصة في تركيا التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين السوريين، ويتعرضن للتهميش والإقصاء والإهانة والاستغلال من قبل المجتمعات المضيفة وحتى ذويهن، كما يفتقرن إلى الحماية والدعم القانوني والاجتماعي والنفسي والصحي.
هؤلاء اللاجئات السوريات اللواتي تركن وطنهن هرباً من ويلات الحرب، وجدن أنفسهن بعد طلاقهن في مواجهة تحديات مضاعفة لا تقل قسوة عما تركنه وراءهن، فبعد أن فقدن أزواجهن، سندهن الأساسي وسبل عيشهن، وتشردن في بلدان اللجوء، أضحين مضطرات لتحمل مسؤوليات لم يعتدن عليها، كتوفير المأوى والطعام والرعاية الصحية لأنفسهن وأطفالهن بمفردهن ودون أي موارد.
إذ يواجهن مشاكل اقتصادية ومعيشية جمّة، وتنعدم أمامهن فرص العمل اللائق، ويضيق بهن الحال في تدبير مصاريف المسكن والمأكل والملبس، وربما تضطر بعضهن للعمل في أدنى الأعمال، معرّضة نفسها للاستغلال والتحرش وسوء المعاملة، وفي بعض الحالات، يلجأن إلى الزواج من رجال أقل مكانة منهن من أجل الحصول على الحماية أو المال والمأوى، مما يزيد من خطر تعرضهن للعنف أو الطلاق مرة أخرى.
وهكذا تدخل المطلقة في دوّامة من الفقر والحرمان، تزيد من معاناتها بعد أن فقدت سندها ومعيلها.
وعلاوة على المشاكل الاقتصادية والمعيشية التي تواجهها المطلقات من اللاجئات السوريات، فإنهن يعانين أيضاً من مشاكل اجتماعية ونفسية لا تقل أهمية، فهن يشعرن بالوحدة والعزلة والاكتئاب بسبب فقدان أزوجهن وبيئتهن وثقافتهن وشبكتهن الاجتماعية، ويواجهن صعوبة في التكيف مع وضعهن الجديد، كما يتعرضن للتمييز والعنصرية والإساءة من قبل المجتمع الذي ينظر إليهن بنظرة دونية أو جنسية، وفي بعض الأحيان، يتم رفضهن أو إهانتهن من قبل عائلاتهن التي تحملهن مسؤولية فشل زواجهن أو تحكم عليهن بالفضيلة أوالشرف.
كل هذه الضغوط تؤثر سلباً على صحتهن النفسية وثقتهن بأنفسهن وقدرتهن على تربية أطفالهن بشكل سليم.
وتجدر الإشارة إلى أن المطلقات من اللاجئات يعانين من نقص في المعرفة والوصول إلى حقوقهن القانونية في البلد المضيف، حيث يصعب عليهن تسجيل طلاقهن أو الحصول على حضانة أطفالهن أو نفقة من أزواجهن، كما تواجه هؤلاء النساء عقبات في الحصول على تصاريح عمل وتأشيرات سفر، وخاصة إذا لم يكن زواجهن مسجلاً رسمياً في سوريا أو البلد المضيف، إن غياب الوثائق الرسمية يزيد من تعقيدات وضعهن كمطلقات ويحد من قدرتهن على الاندماج والاستقلال الاقتصادي في المجتمع الجديد.
وفي حال وقوع نزاعات قانونية مع أزواجهن السابقين أو مع أطراف أخرى، فإن المطلقات من اللاجئات يواجهن صعوبة في الحصول على المساعدة القانونية المناسبة، فهن يفتقدن إلى محامين أو مستشارين قانونيين يدافعون عن حقوقهن ومصالحهن أمام المحاكم، ونظراً لوضعهن كلاجئات وعدم إلمامهن بالأنظمة والقوانين في البلد المضيف، فإن غياب الدعم القانوني يجعلهن أكثر عرضة للظلم أو انتهاك حقوقهن، لذا من الضروري توفير المساعدة القانونية المجانية أو بتكلفة منخفضة لضمان حصولهن على تمثيل عادل في مواجهة أي نزاعات تخصهن أو أطفالهن.
إن هذه الفئة من النساء يستحقن احتراماً وتقديراً ودعماً من كل الأطراف المعنية، سواء كانت حكومية أو غير حكومية أو مجتمعية، فهن نساء شجاعات تحاربن من أجل البقاء والكرامة في ظروف قاسية جداً، لذلك لابد من زيادة التعاون والتنسيق بين المنظمات المختلفة التي تعمل في مجال دعم النساء من اللاجئات، توفير فرص عمل عادلة وآمنة ومستدامة لهن، وتشجيعهن على المشاركة في الأنشطة الإبداعية والابتكارية، وتعزيز قدراتهن على التكيف مع المجتمع، لبناء جسور من التفاهم والثقة، وتحسين الخدمات الصحية النفسية والاجتماعية، لتخفيف آثار الصدمة والإجهاد على النساء المطلقات وأطفالهن.
ويمكن تقديم الدعم لهن من خلال توفير فرص العمل اللائق والتدريب المهني والدعم المالي لتعزيز مهاراتهن وزيادة فرصهن في الحصول على عمل.
وتسهيل إجراءات حصولهن على حقوقهن وخدماتهن القانونية، وتوفير محامين متخصصين، للتعامل مع التحديات القانونية التي يواجهنها.
ويتعين تغير النظرة السلبية والمجحفة إلى المطلقات من اللاجئات، وتعزيز الوعي والتقبل والاحترام لهن في المجتمعات كل ذلك يساهم بشكل كبير بتضييق فجوة المعاناة.
وبناءً على ما سبق، يمكن القول بأن المرأة السورية المطلقة واللاجئة تواجه العديد من التحديات والصعوبات في حياتها، وتحتاج إلى الدعم اللازم من المنظمات والجهات المعنية، من أجل تحسين ظروفها المعيشية وتوفير الحماية اللازمة لها ولأطفالها، وذلك كله من أجل بناء مستقبل أفضل لهؤلاء النسوة اللاتي عانين الأمرّين.
* محامية وكاتبة صحفية