الخطاب الديني وتأثيره على الوعي النسوي في شمال غرب سوريا

الكاتبة: هيا العلي| الحركة السياسية النسوية السورية

“التعليم هو أقوى سلاح يمكن استخدامه لتغيير العالم.”، هذا ما قاله نيلسون مانديلا. اليوم يمكن أن أقول إن الخطابات والمنابر الدينية تعتبر ذات الأثر الأكبر على المجتمع في الشمال السوري، حيث يعتبر الخطاب الديني وسيلة لتوجيه القيم والأخلاق في المجتمع وتشكيلها، ويعتبر الدين جزءاً أساسياً من تاريخ وثقافة المجتمعات.

التحديات التي تواجه النسويات في شمال غرب سوريا

إن من أهم التحديات التي تواجه النسويات في شمال غرب سوريا الظروف الأمنية السيئة، حيث تشهد المنطقة دوماً صراعات واضطرابات. وبالتالي تعيش النسويات تحت تهديد العنف والاضطهاد، ويعانين من صعوبة في الوصول إلى الحماية القانونية. حيث لاحظت في الآونة الأخيرة ازدياد التحريض ضد النسويات والتركيز على محاربة العمل النسوي، بوصفه مخالفاً للعادات والتقاليد المجتمعية والدينية المعروفة في المجتمع. بعض أئمة المساجد يتناسى كل المشاكل والقضايا المنتشرة في المجتمع التي يجب إصلاحها وحث الناس على تذكرها، ليقوم بمتابعة الأنشطة النسوية التي لطالما حلمنا بانتشارها بشكل أوسع وعلني، ويصفها بعبارات سيئة وتحريضية ضد النساء.

أثر الخطاب الديني على عمل النساء

دوماً ما يتم السؤال؛ لماذا تفاقمت الجرائم والعنف ضد النساء والعنف القائم على النوع الاجتماعي؟، لكن قليل من يحاول تحليل الأمر بخطورة تلك الخطابات وتأثيراتها المباشرة على حياة  النساء وعملهن، وإسقاط الأمر بأن الوضع الأمني والفقر هما من أهم الأسباب لزيادة العنف ضد النساء.

يلعب دوماً الخطاب الديني أثراً سلبياً على العمل النسوي في شمال غرب سوريا، فهو يحد من عمل المنظمات والناشطات النسويات، والتقدم في تحقيق المساواة الجنسانية وحقوق النساء، ويتم الإصرار على رفض التفسيرات الدينية التي تدعم حقوق النساء، وتشويهها في بعض الأحيان بما يتناسب مع أهوائهم، وتشكيل ضغوطاً اجتماعية وثقافية على النساء للتقيد بالأدوار التقليدية والتبعية التي يحاولون جاهدين دفنها بها. شهدنا في السنوات الأخيرة حالات عدة للتحريض ضد الناشطات والدعوة لقتلهن لأنهن يشجعن على نسف التقاليد الدينية التي نشأ عليها مجتمعنا، وآخرها أحد خطباء المساجد في إدلب يتوعد ويحرض بالقتل ضد العاملات والقائمات في منظمة نسوية في إدلب، تعمل على توفير بعض التدريبات التي تساعد على تمكين النساء والفتيات ضمن المنطقة.

إن التشدد في تطبيق الشريعة الإسلامية وتفسيرها بطرق عديدة تحد بشكل أو بآخر من حرية النساء وحرمانهن من حقوقهن، حيث تٌشنّ حملات ضغط ضد النساء اللواتي يعشن خارج إطار الشرعية المفروضة، بتشويه سمعتهن، وإلقاء تهم مختلفة قد تصل لتهديدات مباشرة أيضاً.

في حين من المفترض استخدام الخطاب الديني لتشجيع وتعزيز المساواة وحقوق النساء، وأن تعمل الحكومات تحديداً على تنفيذ سياسات لتعزيز مشاركتهن في الحياة السياسية والاجتماعية، وتشجع الأئمة والشيوخ على دعم وتبني هذه القيم، لعل الخطاب الديني المنفتح أن يساهم في تعزيز التغيير الاجتماعي من خلال تشجيع المرأة دوماً على المشاركة في بناء المجتمع التي هي جزء منه.

لقد عملت المرأة في عهد الرسول محمد في مجالات مختلفة مثل الزراعة والطب والتجارة. في الإسلام لا يوجد مانع شرعي يحرم ويحول دون عمل المرأة في مجالات مختلفة، بل كان هناك تشجيع على عملها ووجودها مع الرجل جنباً إلى جنب.

شهادة إحدى الناشطات النسويات في شمال غرب سوريا 

لتقديم نموذج حي عن حالات التحريض ضد النسويات في شمال غرب سوريا، تحدثت مع عضوة الحركة السياسية النسوية السورية المقيمة في شمال غرب سوريا سارة (اسم مستعار)؛ التي بدأت حديثها بسرد مخاوفها الدائمة من معرفة محيطها الاجتماعي والوظيفي عن خلفية مشاركتها بشكل مستمر في الأنشطة النسوية، ودعمها وبقوة الحراك النسوي وتأييدها تحرر المرأة من القيود التي كبلها بها المجتمع، تقول سارة: “في إحدى مقابلات العمل لجمعية تعرف بتشددها الديني لقيت رداً سلبياً على طلب توظيفي لأنهم عرفوا وسمعوا أني من الناشطات النسويات، ودارت أسئلة المقابلة كلها عن رأيي في النسوية والحديث عن قناعاتي والأسباب التي دفعتني لأشكل ردة فعل إيجابية حول العمل النسوي، وتحول مسار المقابلة إلى أسئلة خارجية بعيدة عن هدف المقابلة، ليتم بعدها رفضي بشكل رسمي، وبالتأكيد كان نشاطي النسوي السبب الرئيسي لذلك”.

وتابعت حديثها: “أذكر تماماً كيف ناداني أحد الزملاء ليخبرني بأمر علي فعله كنصيحة منه، بدأ حديثه بصوت خافت: أريد لك النصح، عليكي دوماً إبعاد نفسك من دوامة العمل ضمن تمكين النساء وغيره، ولا تفكري يوماً بالتعريف بأنك متطوعة في جهات نسائية، لأنه أمر مرفوض في المجتمع، وسيؤثر على علاقتك بعائلتك، وحتى على وسطك المهني. فكرت قليلاً بما قاله كيف وأنا ابتعد احتياطا وخوفاً من وصف نفسي بالنسوية!

تابعت سارة حديثها عن الضغط الاجتماعي والنفسي؛ بتذكر موقف مع زميلة لها، تستنكر هذه الزميلة تقبل سارة لعمل الناشطات النسويات وأنها لا تتكلم بسوء عنهن، وأنها تعترف أحياناً بإعجابها بشخصيتهن وآرائهن، خاصةً وأن فئة كبيرة من النساء في منطقتنا تكره وترفض الاعتراف بالفكر النسوي، ويعتبرن هذا الأمر هو خرق للعادات المجتمعية وتطبيع غربي وأنه لا يمكن تطبيق ما تظهره النسوية في بلادنا بأي شكل من الأشكال.

وفي حديثها عن المصطلحات والخطابات الدينية قالت سارة: “شعبنا يخاف المصطلحات الناشئة، يحاربها ويكرهها لأنه يجهلها، ويؤمن بأن كل ما هو غربي وحديث فهو ضد معتقداتنا الدينية ويسعى لخراب المجتمع وهدم بنية الأسرة. النسوية والجندر، كمثال لذلك”.

دوافع وأسباب الهجوم على العاملات في الشأن النسوي والمنظمات التي ينتمين إليها

يعتبر الهجوم والتحريض ضد العاملات في الشأن النسوي والمنظمات النسوية في شمال غرب سوريا قضية مهمشة لدى المجتمع السوري. وبرأيي هي جريمة، لكن بسبب غياب القانون أصبح الأمر طبيعياً، ولا يلقى أي استنكار من عامة الناس. هناك حالات عدة شهدتها أنا شخصياً من صفحات وهمية تقوم برصد عمل وأنشطة النساء الناشطات، مما يشكل لديهن الكثير من المخاطر ويدفعهن للعكوف عن المشاركة والحصول على أدنى حقوقهن.

ومن الأسباب التي عززت الهجوم والتنمر على النسويات في شمال غربي سوريا التقاليد والثقافة المجتمعية، التي كانت عاملاً في بناء تصوُّرات مسبقة عن دور النساء وموقعهن في المجتمع، مما يجعل المجتمع بشكل أو بآخر معارضاً للأفكار النسوية والجهود المبذولة لتمكين النساء وتحقيق المساواة بين الجنسين.

ومن الأسباب أيضاً الاعتبارات الثقافية والدينية، حيث تقوم بعض الجهات المتطرفة بتشويه العمل النسوي الذي يقام في إطار قيم إسلامية صحيحة وذلك لصالح تأييد الخطابات المتشددة. وقد يكون لبعض الجهات المعادية للتغيير دوافع سياسية أو اجتماعية للعمل ضد النساء العاملات في الشأن النسوي ومنظمات المجتمع المدني، لأنهم قد يشعرون أن هذه المجموعات تهدد استقرارهم أو نفوذهم المجتمعي.

وأيضاً لنقص التوعية والجهل دور في مواصلة القمع والاعتداء على العاملات في الشأن النسوي. فنقص الوعي بحقوق النساء والمساواة سبب رئيسي انتشار العنف والممارسات غير المنصفة بحق النساء.

دوماً يتم تبرير من قبل المجتمع المدني عدم تمكين النساء وعرقلة عملها وحصولها على حقوقها بسبب الأوضاع الأمنية وعدم الاستقرار في المنطقة، معتبرين ذلك مصلحة عليا تفوق مصلحة تمكين المرأة.

دورنا كنسويات سوريات في حملات المناصرة

من أجل مواجهة الخطابات المعادية للنسوية ولتمكين وحماية النساء في منطقة شمال غرب سوريا، يجب أن تكون هناك جهود مستمرة للتثقيف وزيادة الوعي بحقوق المرأة والمساواة الجندرية. يتطلب ذلك تعاون المجتمع المدني والمنظمات النسوية لتبني سياسات وبرامج تعزز دور النساء وتضمن تحليل وفهم هذه الدوافع والأسباب للتصدي لها، واتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من انتشارها وتعزيز حقوق النساء والمساواة في المجتمع. والأهم برأيي؛ أنه على المنظمات التي تصف نفسها أنها تعنى بتمكين النساء الضغط على سلطات الأمر الواقع التي تحكم المنطقة لإصدار قوانين تضمن عدم الإساءة والضرر لأي جهة أو شخصية، وأن يكون هناك محاسبة فعلية على أي انتهاك. وبالتأكيد لا يمكن تجاهل ضرورة تقديم دعم وتأييد أكبر للمبادرات التي تعمل على تمكين النساء وتمنع الإساءة لهن.

كل ما ذكر في المقال يعبّر عن رأي الكاتبة، ولا يعبر بالضرورة عن رأي المنصة النسوية السورية

 

شاركنَ المنشور