النساء العربيات… بين مساواة القانون ونمطية المجتمع!

مزن مرشد | عروبة 22

بحسب إحصائيات صادرة مؤخرًا عن تحالف “عين على النساء”، احتلّت الجزائر المركز الأول بين الدول العربية من حيث نسبة مشاركة النساء في المجلس النيابي (31.6%)، تلى الجزائر كل من تونس (31.3%)، السودان (30.5%)، العراق (26.5%)، الإمارات العربية المتحدة (22.5%)، السعودية (19.9% في مجلس الشورى)، المغرب (17%)، ليبيا (16%)، مصر (14.9%)، الصومال (13.8%)، سوريا (13.2%)، جيبوتي (12.7%)، الأردن (12%)، البحرين (7.5%)، لبنان (3.1%)، جزر القمر (3%)، الكويت (1.5%)، عُمان (1.2%)، فيما خلا مجلسا قطر واليمن من أيّ تمثيل نسائي، كما لم تضمّ الإحصائيات وضع المجلس التشريعي الفلسطيني.

 

“رشيدة” قاضية جزائرية تعيش في فرنسا منذ خمس سنوات، وبالرغم من مكانتها الوظيفية والاجتماعية إلا أنها فضلت ترك كل شيء في بلادها، والعيش في فرنسا، والسبب ببساطة كما تبرره هو طلاقها.

“قصّة رشيدة” لم تكن القصة الوحيدة التي صادفتُها وأنا أحاول مقارنة أوضاع النساء بين دول الوطن العربي وما وصلت إليه أوضاع المرأة في التمثيل السياسي والقانوني ومراعاة حقوقهن في كافة المجالات.

توضح رشيدة لـ“عروبة 22” أنّ وضع المرأة في الجزائر “ممتاز” على الصعيدين القانوني والسياسي، فنصف عدد القضاة تقريبًا هو من النساء، وثلث أعضاء البرلمان من النساء أيضًا، لكنها تضيف بحسرة: “أنا أؤتمن على تولي قضايا الناس ويقبل مجتمعي بحكمي العادل كقاضية ويحترمني على مهنتي ومهنيّتي، لكني بالمقابل أُعامَل بازدراء كـ”مُطَلّقة”، موضوعة تحت وصاية الأهل والرقابة الاجتماعية، ممنوع عليّ الاستقلال في حياتي رغم كلّ شي، فكيف أؤتمن على العدالة ولا أؤتمن على نفسي؟”.

الدكتورة عائشة بن ساعد، الأستاذة المحاضرة في جامعة الجزائر الثانية، تعلّق لـ“عروبة 22”: “بالرغم من تطوّر أوضاع النساء في البلاد، من خلال إشراكهن في الحياة السياسية وتبوؤهن العديد من الوظائف الرفيعة في الدولة، وبالرغم من التطوّر الاجتماعي الذي طال مختلف طبقات المجتمع، ناهيك عن تحسّن الأوضاع الاقتصادية للنساء واستقلاليتهن، والتشريعات القانونية الأخيرة في منح المساعدات للنساء المطلّقات، إلا أنّ النظرة الاجتماعية للطلاق لا زالت حبيسة المفاهيم التقليدية، فهي تُحمّل المرأة الذنب في الطلاق وتُحمّلها وزر عدم المحافظة على استقرار أسرتها، ورغم تشارك الرجل في التوصيف ذاته الا أنه يظلّ أقلّ حدّة من المرأة، حيث تتعرّض المرأة للكثير من القيود المجتمعية، منها وصاية الأهل على حياتها، وتبقى حبيسة نظرة تجعلها دائمًا في موضع شك أن تقع بالمحظور، فتطوّر أوضاع النساء سياسيًا وقانونيًا لم يُنهِ على الإطلاق نظرة المجتمع النمطية لها”.

سنّ القانون… وتنفيذها!

في سوريا، تُشكّل نسبة النساء في البرلمان السوري 13% من أعضائه، وتُعطى ثلاث حقائب وزارية للنساء غالبًا ما تكون حقائب غير سيادية – إلا مرّة واحدة – وتتساوى المرأة مع الرجل بالأجور والحوافز في القطاع العام، لكنّ الواقع يختلف في القطاع الخاص.

كما تتساوى النساء سياسيًا بما يخصّ قوانين الترشّح للمناصب في الدولة أو لعضوية مجلس الشعب والمجالس المحلية، لكن حالها في المجتمع لا يختلف عن حال نظيراتها في الدول العربية الأخرى، فما تزال النظرة المجتمعية للنساء تجعلهن أقلّ مرتبة من الرجال، وبخاصة في ما يخصّ الطلاق.

وعن حال سوريا، تقول الناشطة رويدة كنعان، وهي عضو الأمانة العامة في الحركة السياسية النسوية السورية: “في وطننا العربي لا يكفي سنّ التشريعات التي تحمي النساء، وانما يجب العمل لضمان تنفيذها بشكل فعّال وعادل”.

وتضيف كنعان: “لذلك نجد أنّ النساء السوريات في بلدان اللجوء على سبيل المثال تجاوزن الكثير من التحديات بحكم وجود حماية قانونية أكثر ودعم اقتصادي، مقارنةً بوضع النساء في بعض المجتمعات العربية”.

فيما ترى علياء أحمد، وهي باحثة اجتماعية مهتمّة بقضايا المرأة، أنّ الطلاق ما هو إلا حق من حقوق الطرفين والشريكين، هو فقط تموضع جديد لعلاقة الزواج التي بُنيت على أساس شراكة واتفاق، لكنها وصلت إلى مكان مسدود، فالتالي قد يكون الطلاق أحد الحلول المنقذة للشريكين والأطفال والأسرة، وليس كارثة أو مأساة، ومع ذلك تحمل كلمة “مطلّقة” دلالة تمييزية فجّة بين الرجال والنساء، فالكلمة نفسها تكاد لا تعني شيئًا عندما نقول عن رجل أنه “مطلّق”، بينما في المحمول الثقافي تنطوي على وصمة عار وشتيمة عند قول “امرأة مطلّقة”، وسيان إن كانت هذه المرأة متمكّنة علميًا واقتصاديًا، وتمارس حقوقها السياسية والاجتماعية، وتتقلّد مناصب كبيرة في المجتمع”.

نضال النساء في سوريا أوصلهن إلى التأثير في تغيير إحدى مواد قانون الأحوال الشخصية المختصّة بحضانة المطلّقة لأولادها، ورفع سن الحضانة، لكنّهن لم يستطعن التأثير لتغيير قانون “جرائم الشرف” الذي يبرّئ الرجل الذي يقدم على قتل زوجته أو أخته أو ابنته بحجة الدفاع عن شرفه، ولم تتغيّر المادة المنصوص عنها في قانون عام 1949 حتى تاريخ 8/3/2020، لكن التعديلات ظلّت “حبرًا على ورق”، وما يزال مرتكب “جريمة الشرف” ينجو بفعلته.

تونس الأفضل عربيًا

تظلّ تونس في مقدمة الدول العربية، قانونيًا ومجتمعيًا وسياسيًا، في مجال حقوق النساء، ومساواتهن الكاملة مع الرجال، ففيها كان المنع الأول والوحيد لتعدّد الزوجات في العالم العربي، وهي الدولة العربية الوحيدة التي أتاحت للمرأة الإنجاب خارج إطار الزواج وكفلت حقوقها وحقوق أبنائها.

وفي تونس كانت قد كُلّفت نجلاء بودن رمضان بتشكيل الحكومة، لتكون أول امرأة تصل إلى منصب رئيسة وزراء في تونس والعالم العربي.

وبالرغم من كل هذه التشريعات التي تمنح المرأة حقوقها الكاملة متساوية تمامًا مع الرجل تحت مظلة القانون، تتعرّض النائبة في البرلمان التونسي المحامية عبير موسي في عام 2021 للضرب تحت قبة البرلمان من نواب محسوبين على تيارات إسلامية، يرون أنّ مكان النساء هو بيوتهن فقط، وتبقى الفجوة واسعة بين القانون المانح للحقوق والمجتمع الذي يحمّل المرأة مسؤولية ما تتعرّض له، كما في حالات الاغتصاب، ويضعها موضع المسؤولية والشكوك معًا في حالات الطلاق.

وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال وجودي حقيقي: لماذا لم تساهم تطورات القوانين والدساتير العربية المراعية للنساء في تطوير النظرة المجتمعية لها؟

… سؤال قد يحتاج لعقود كي نستطيع الإجابة عليه.

 

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتبة ولا يعبر بالضرورة عن رأي المنصة النسوية السورية

 

شاركنَ المنشور