الحليب المجفف.. الأكثر احتياجاً لأطفال مخيمات الشمال السوري

محمود أبو راس / روزنة

نشاء القمح بدل الحليب الصناعي كان الحل الوحيد لكفا الجاسم لإرضاع طفلها في “مخيم دعوة خير” بالقرب من ناحية “معبطلي” بريف حلب الشمالي، تقول: “وضعنا المعيشي سيء جداً، لا نستطيع تأمين ثمن الخبز اليومي، ونعيش ظروفاً مأساوية، فكيف نؤمّن الحليب لطفلنا، والمنظمات الإنسانية لم تقدم لنا أية مساعدات”.

كفا الجاسم، لديها طفلان أحدهما رضيع عمره 40 يوماً، والثاني عمره سنة، تعيش في خيمتها مع زوجها الذي يعاني من إعاقة وغير قادر على الحركة أو العمل، وليس لدى العائلة أي دخل يمكنهم من شراء الحليب الصناعي المجفف لطفلها الرضيع.

يشتكي النازحون في مخيمات الشمال السوري من عدم استلامهم الحليب المخصص للأطفال ضمن المساعدات الإنسانية، في الوقت الذي تواجه فيه النساء المرضعات عدم القدرة على الإرضاع الطبيعي لأطفالهن، في ظل ارتفاع أسعار الحليب المجفف المتوفر بالأسواق.

في مخيم دعوة خير الواقع بالقرب من ناحية المعبطلي بريف حلب الشمالي، والذي يبلغ عدد سكانه قرابة 110 عائلات نازحة من مناطق مختلفة، يبلغ عدد الأطفال الرضع حوالي 40 طفلاً، معظمهم لا يحصلون على القدر الكافي من الحليب الطبيعي، في الوقت الذي لم يتلقَ هؤلاء الأطفال أي مساعدات بهذا الخصوص، أو إجراء تقييم لوضع الأطفال وأمهاتهم من قبل المنظمات الإنسانية، بحسب كلام أبي يامن، مدير المخيم.

غياب الحليب عن المخيمات

الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها سكان المخيمات، من نقص في كافة مقومات الحياة، وقلّة التغذية للأمهات المرضعات قبل الأطفال، تجعلهم بحاجة لبدائل عن حليب الأم الطبيعي، لكن الكثير من سكان المخيمات في المنطقة يشتكون من عدم استلامهم حليب الأطفال المجاني من قبل المنظمات التي تهتم بهذا الصنف من المساعدات الإنسانية.

ليست كفا هي الوحيدة التي تواجه هذه المشكلة، يؤكد أبو محمود، وهو جد لأحفاد رُضع أن المخيم لم تدخله أية منظمات تقدم حليب للأطفال أو مساعدات للأمهات، في الوقت الذي يعاني الكبار من سوء تغذية، في ظل ضعف إمكانياتهم المادية، الأمر الذي يدفع الأهالي لتغذية أطفالهم بمواد غذائية لا تناسب أعمارهم.

بدائل الحليب في المخيمات

تختلف أسعار الحليب الصناعي المجفف في المنطقة بحسب النوعية والجودة، وتتراوح الأسعار بين 4 و5 دولارات أمريكية للعبوة الواحدة ذات وزن 400 غرام، في حين يبلغ سعر لتر حليب البقر الطبيعي 12 ليرة تركية لليتر الواحد.

حاجة الطفل لأكثر عبوة من الحليب المجفف في الشهر، تزيد من تكاليف المعيشة على الأهل، وفي الوقت الذي يكون فيه دخل العائلة شبه معدوم، ما يضطرهم لاستخدام مواد بديلة عن الحليب.

تعتمد أم عمر، التي تقيم في مخيم “دعوة خير” على الأرز المسلوق ونشاء القمح في تغذية طفلها الرضيع، لأنها عاجزة عن تغذيته بشكل كامل من حليبها الطبيعي، وعن شراء الحليب المجفف، الأمر الذي يسبب للطفل العديد من الأمراض المعوية، تقول: “طفلي عمره خمسة أشهر، ليس لدي القدرة على شراء الحليب من الصيدليات لارتفاع سعره”.

وحول البدائل التي تلجأ إليها، تقول أم عمر “أسلق الأرز وأصفيه لأطعم طفلي، وأحياناً أقوم بخلط النشاء مع الماء وأضعه في الرضاعة، وأسقيه للطفل، وأحياناً الماء والسكر، لكن دائماً ما يعاني الطفل من التهاب في الأمعاء، لأن عمره لا يتناسب مع الأغذية التي أقدمها له”.

وتؤكد أم عمر أن تغذية معظم النساء المرضعات في المخيم ليست جيدة، لعدم قدرة الأغلبية على شراء الأطعمة المغذية كالفاكهة واللحوم، وينعكس هذا الشيء على قدرة النساء إشباع أطفالهن من حليبهن.

كما تشعر أم عبد الرحمن، التي تقيم في نفس المخيم، بالحزن على طفلها الرضيع ذي الشهرين ونصف، لعجزها عن توفير الحليب الكافي له، والمستلزمات الأخرى من حفاضات وأدوية، تقول: “الناس في المخيم غير قادرة على تأمين قوت يومها، حتى تتمكن من تأمين الحليب، طفلي يبكي بشكل دائم لجوعه وعدم كفاية حليبي له، نقوم بتأمين الحفاضات له بشكل صعب جداً، فسعر الكيلو الواحد 50 ليرة تركية”.

أضرار البدائل على صحة الأطفال

لجوء الأهالي لاستخدام بدائل عن الحليب الصناعي لتغذية أطفالهم، سبب لهم العديد من المشاكل الصحية.

الطبيب يوسف سليم، المختص بأمراض الأطفال، يتحدث لـ “روزنة” عن البدائل التي يستخدمها سكان المخيمات في تغذية أطفالهم، فيؤكد أن: “كلّ البدائل التي يستخدمها الأهالي غير صالحة لتكون غذاء للأطفال الرضع، وتسبب مشاكل سوء تغذية، لأن محتوى البروتينات فيها منخفض، وكذلك الكلوري والفيتامينات والأملاح المعدنية، لذلك ستسبب بشكل أكيد دخول الطفل في حالة سوء تغذية”.

كما تحدث مركز رعاية الطفولة والأمومة في “مستشفى الشفاء” بمدينة عفرين شمالي حلب لـ “روزنة” عن التأثيرات التي يمكن أن يتعرض لها الطفل الرضيع نتيجة الاعتماد في تغذيته على ماء الأرز ونشاء القمح كبديل عن الحليب الطبيعي، موضحاً بأنه يسبب للطفل نقصاً في الكالسيوم والحديد، ونقصاً في المناعة من الأمراض الفيروسية، بالإضافة إلى وجود أثر نفسي على الطفل، لأن الإرضاع الطبيعي يعد صلة وصل الحنان بين الأم وطفلها، ويفضل أن تزيد الأم من تغذيتها لتستطيع تأمين الحليب لطفلها.

عجز المنظمات عن توفير الحليب

انخفاض التمويل الذي واجه بعض المنظمات في شمالي غربي سوريا أدى إلى تقليص أنشطتها وخدماتها في المنطقة، واقتصرت أعمالها على تخديم فئات قليلة، تعتبر من الفئات الأكثر حاجة لهذه الخدمات، كما توقفت عدّة منظمات عن توزيع حليب الأطفال في السنوات الأخيرة، والاعتماد على تقديم التغذية الكافية للأم المرضعة، كي تتمكن من عملية الإرضاع وتقديم الحليب الطبيعي للطفل.

مؤسسة الوفاق الإنسانية، واحدة من المنظمات التي تقلص دعمها، وانخفضت نسبة الخدمات التي تقدمها للأمهات المرضعات في المخيمات، يتحدث لـ “روزنة” المدير الميداني للمؤسسة زهير خنشور، عن عملهم والتغيرات التي طرأت عليه: “سنوات الحرب والتهجير التي عاشها السوريون أدت لإرهاق الأمهات والأطفال وسببت الكثير من حالات سوء التغذية”.

ويضيف خنشور موضحاً: “ولأن الأمم المتحدة لا تشجع على توزيع حليب الأطفال، اتجهنا في مؤسسة الوفاق لدعم الأمهات المرضعات والعمل على تأمين التغذية الكافية لهن، ليتمكنّ من تأمين الغذاء الطبيعي لأطفالهن، ومنذ عام 2018 كنا نعمل على تقديم ألف سلة غذائية شهرية داعمة للأمهات المرضعات، لكن بعد تخفيض التمويل لا نستطيع حالياً تقديم أكثر من 150 لـ 200 سلة شهرية. تقليص العدد أجبرنا على التركيز فقط على حالات سوء التغذية والحالات الأكثر حاجة”.

وأكد أن جميع المنظمات العاملة في المنطقة تقوم بإجراء مسح وإحصاءات لحالات سوء التغذية سواء لدى الأطفال أو الأمهات، وتحاول تقديم المساعدة بقدر استطاعتها، لكن انخفاض الدعم والتمويل يحول دون ذلك في بعض الأحيان.

وأشار إلى أن مشكلة حليب الأطفال يكون حلّها من خلال دعم الأمهات المرضعات والحوامل سواء بمبالغ مادية أو سلل غذائية، حتى يتمكنّ من تأمين الحليب الطبيعي الذي يعتبر أفضل من الحليب الصناعي المجفف، إلى جانب حملات التوعية بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة وخطورة الحمل المتكرر.

وكانت الأمم المتحدة قد حذرت خلال هذا العام على لسان المديرة الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة اليونسيف، من أن أكثر من 12.3 مليون طفل سوري بحاجة لمساعدة إنسانية، معتبرة أنه “أكبر رقم تم تسجيله منذ بدء النزاع في سوريا”.

شارك في إعداد التقرير: محمد سليمان

 

شاركنَ المنشور