“امرأة عارية …امرأة نصف عارية” : قانون العفّة والحجاب في إيران

بادية فحص| موقع درج

قسم المشرعون الجدد، النساء المتمردات على الحجاب الإجباري إلى نوعين: إمرأة عارية، و امرأة نصف عارية، إذا اعتبروا ظهور المرأة (في الأماكن العامة أو في الفضاء الإلكتروني) من دون حجاب، تعرياً كاملاً، أما عدم التزامها بـ”الحجاب الجيد” فاعتبروه تعرياً جزئياً.

بعد أشهر من النقاش في الدوائر المتخصصة، قدم القضاء الإيراني مشروع قانون جديداحول الحجاب الإسلامي، أطلق عليه قانون “العفة والحجاب”، إلى مجلس الوزراء، الذي وافق عليه في جلسته الأخيرة، ورفعه إلى مجلس الشورى الإسلامي للمصادقة.

عملياً، حمل رئيس الجمهورية السيد إبراهيم رئيسي، باليد، مشروع القانون المؤلف من 15 مادة، إلى مجلس الشورى الإسلامي، مستهلاً صفحته الأولى، برسالة خاصة إلى رئيسه محمد علي قاليباف، يطلب منه فيها دعم “ثقافة العفة والحجاب”.

قال رئيسي: “نظراً الى أهمية الأعراف الاجتماعية في الحفاظ على سلامة المجتمع وصون كرامة الناس وقيمهم الاجتماعية وأمنهم الأخلاقي، وبخاصة المرأة، ونظراً إلى المكانة الرفيعة والسامية للمرأة في النظام الإسلامي، ولدورها الأساسي في تنشئة الأسرة وتنمية المجتمعات، ونظراً الضرر الذي يلحقه تجاهل هذه الأعراف بالمجتمع الإسلامي، وبما أنه من واجب الدولة والشعب حماية هذه الأعراف وتطبيقها، حفاظاً على سلامة المجتمع، نقدم مشروع القانون التالي، بانتظار القيام  بالإجراءات القانونية المناسبة”.

قسم المشرعون الجدد، النساء المتمردات على الحجاب الإجباري إلى نوعين: إمرأة عارية، و امرأة نصف عارية، إذا اعتبروا ظهور المرأة (في الأماكن العامة أو في الفضاء الإلكتروني) من دون حجاب، تعرياً كاملاً، أما عدم التزامها بـ”الحجاب الجيد” فاعتبروه تعرياً جزئياً.

علاوة على ذلك، أقروا اعتبار “التعري الكامل أو الجزئي” جناية، يعاقب عليها القضاء، بدءاً من الغرامة المالية، وصولاً إلى السجن والحرمان من الحقوق المدنية، على مدى سنوات.

منح المشرعون رجال الشرطة حقوقاً استثنائية لملاحقة الجناة، واعتبروهم بحكم سلطة تطبيق القانون، ضباطاً في السلطة القضائية، وهم ملزمون بملاحقة النساء اللواتي ينتهكن الأعراف الاجتماعية، في الأماكن العامة أو الفضاء الإلكتروني، والانتهاك هنا،لا يعني كشف الشعر فقط، بل يشمل الملابس الضيقة والقصيرة والشفافة.

طاول القانون سائقي التاكسي والنقل العام أيضاً، فكل مركبة تُضبط بداخلها امرأة من دون حجاب، في المرة الأولى يتم تحذير السائق شفهياً، في الثانية يتم إخطاره رسمياً بمصادرة مركبته، في الثالثة تصادر المركبة فعلياً لمدة سبعة أيام، مع حظر قيادة ودفع غرامة مالية، قدرها مليون تومان عن كل ليلة، وفي الرابعة يخضع للعقوبة ذاتها ولمدة عشرة أيام.

ما يسري على السائقين، ينطبق أيضاً على أصحاب المطاعم والمحلات التجارية ودور السينما والمسارح والنوادي الثقافية والفنية والرياضية والترفيهية، ففي حال حصول المخالفة للمرة الأولى، يتلقى المخالف إشعاراً بالإغلاق، وفي المرة الثانية، يتم الإغلاق لمدة تصل إلى أسبوع كامل، وفي المرة الثالثة لمدة تصل إلى أسبوعين، وفي حال الإصرار على المخالفة، يتم إغلاق الأماكن أو الوحدات غير المنضبطة، من قبل السلطات المتخصصة، لمدة تصل إلى عام كامل، مترافقاً مع حرمان أصحابها من الحسومات والمنح التي تقدمها الحكومة، بما في ذلك الإعفاءات الضريبية والتعريفات الحكومية الخاصة بالخدمات العامة.

أما المشاهير من ممثلات ورياضيات وفنانات ومؤثرات ممن يرتكبن جناية “التعري”، أو ممن يدعمن ويشجعن على ارتكابها، فسيخضعن لعقوبات شتى، بدءاً من دفع غرامة مالية وصولاً إلى الحرمان من النشاط المهني والظهور في الفضاء الإلكتروني، لمدة تتراوح من ثلاثة أشهر إلى سنة.

سيراقب مطبقو القانون ما يحصل في وسائل التواصل الاجتماعي من حملات ترويج لخلع الحجاب، كما جاء في ورقة تفسير القانون، وستتم ملاحقة النشطاء المحرضين وتغريمهم مالياً، إضافة إلى إجبارهم على حذف منشوراتهم أو إلغاء صفحاتهم، وفي حال العودة، سيتم حظر الناشط لمدة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر إلى سنة، أما في حال الإصرار على المخالفة، فسيكون مصير المرتكب السجن لمدة عام إلى عامين.

كما يعتبر مجرماً كل من يتهكم على لباس محجبة، أو من يعتدي على محجبة لفظاً أو فعلاً، ويعاقب وفق قانون العقوبات الإسلامي، بالغرامة المالية أو السجن، كما يعتبر السب والقدح والذم والتهديد أفعالاً جرمية.

حظر القانون استيراد الملابس النسائية وإنتاجها وتوزيعها بالجملة، تلك التي يكون استعمالها في الأماكن العامة خادشاً للحياء الاجتماعي ومخالفاً للشريعة الإسلامية، وستقوم بمصادرتها الجهات المكلفة، وإغلاق محلات البيع ومصانع الإنتاج والتوزيع، واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحق الجاني.

ما لا شك فيه، أن هذا القانون، هو نتاج اتفاق مراكز الفكر التابعة لمؤسسة ولاية الفقيه، بالتشاور والتعاون مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، بدا كلا الطرفين مهووساً بالتركيز على إبراز الملامح الأيديولوجية للنظام الإسلامي، في قالب ثقافي اجتماعي، وذلك، خوفاً على القاعدة الاجتماعية للمؤمنين بالأصولية الدينية من الانهيار، تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية والتغييرات التي أحدثتها، في أعقاب مقتل الشابة الكردية مهسا أميني، ولاعتبارات أمنية وسياسية.

في حديث مع صحافي إيراني عن القانون، قال: “إنه بمثابة إعلان “عاطفي مؤثر” عن الصورة المرتجاة سلطوياً للمجتمع الإيراني، أكثر من كونه قانوناً، وقد كشف أزمة الأساس الاجتماعي المهتز للنظام السياسي القائم على نظرية ولاية الفقيه، كما أنه عكس ارتباك الجمهورية الإسلامية أمام الإرادة القوية للشعب، وأمام التغييرات الهيكلية والكبيرة التي أحدثها الحراك الشعبي ضد إلزامية الحجاب، وأظهر في المقابل أزمة التحجر وعدم القابلية على الإصلاح في هيكل السلطة”.

بناء على الرأي أعلاه، فالقانون وإن يبدو قاسياً في ظاهره، لكنه في الباطن، يختلف نوعا ما، عن النموذج القمعي الحاسم للنظام الإسلامي، وذلك تأثراً بالظروف الجديدة، التي أحدثها الحراك النسائي، والغضبة الشعبية الداعمة، فالتدرج بالعقوبة من مستوى أول إلى رابع وخامس، يعكس بشكل واضح، رغبة النظام في اختيار حلول غير عدوانية فوراً، وفي طيات بنوده حرص القانون على تحذير المتحمسين ورجال الشرطة، من التعامل الجسدي العنيف مع “السافرات”، رداً على دعوة أطلقتها شخصيات دينية قريبة من المرشد، ومتحمسة للحجاب الإجباري، طالبت فيها الأجهزة الأمنية بـ”إطلاق النار على السافرات العاريات”، لكن ليس انطلاقاً من احترام الحريات الفردية للمرأة الإيرانية، إنما بدافع القلق من التبعات الأمنية، التي قد تنتج من أي اشتباك قد يفجر الأزمة مجدداً في البلاد.

للمرة الأولى في تاريخه، يواجه النظام الإسلامي الإيراني، منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، تاريخ اندلاع حراك “المرأة الحياة الحرية” احتجاجا على مقتل الشابة أميني، على يد عناصر دورية الإرشاد في طهران، تحدياً داخلياً حقيقياً ومتماسكاً وعابراً للمناطق والقوميات والإثنيات والطوائف، يصعب عليه اجتثاثه أو حتى تقزيمه.

وعلى رغم كل حملات القتل والسجن والقمع والتنكيل والخطف وقلع الأعين، وبرغم كل القوانين والفتاوى والتشريعات، سجلت الأشهر الثمانية الماضية، زيادة مطردة في عدد النساء اللواتي يظهرن من دون حجاب، أو “عاريات” كما وصفهن القانون الجديد، في الأماكن العامة، في مقابل انتكاسات متتالية لآلة النظام في القضاء على هذه الظاهرة.

شاركنَ المنشور