عمر حاج حسين| رصيف 22
تختصر رويدا الخالد (28 عاماً)-اسم مُستعار-، وهي نازحة من محافظة حلب، حجم المعاناة التي عاشتها خلال ولادتها الأخيرة في أحد المشافي المجانية في شمال إدلب، والمدعوم من قبل منظمة إنسانية غير حكومية، بأنها قرّرت الامتناع عن الحمل مرةً أخرى لما عاشته من ضغوط نفسية وجسدية خلال مرحلة الولادة.
تقول الخالد، وهي أم لطفلين، لرصيف22: “بعد مضي ثلاثة أيام من انتهاء الشهر التاسع، لم أشعر بانقباضات الولادة كما حصل معي في ولادتي السابقة، ولكن دائماً كنت أشعر بالوهن العام والتعب. قرّرت الذهاب إلى المشفى برفقة أمي وأختي لمراقبة الحمل، وعند وصولنا سمح الكادر الطبي لشخص واحد فقط بمرافقتي، لتعود أختي وتقف على باب المستشفى”.
“تلك اللحظات لا أنساها ما حييت”؛ تتحدث رويدا وهي تلوّح بيدها: “عندما دخلت إلى قسم التوليد الواقع في الطابق السفلي ‘القبو’، لم أسمع سوى صراخ شديد للنساء وتوسّل ودعاء ولم أرَ غير غرف مخاض تتسع لثلاثة أسرّة يفصلها ستار أزرق ودماء تسيل بينها. مسكت بيد أمي بكل قوّة، وطلبت منها أن تبقى بجانبي وهنا شعرت بالخوف الحقيقي”.
تضيف: “استقبلتنا ممرضة لا أدري ماذا تمضغ في فمها، وسألت: متى جاءك أول انقباض؟ وفي أي شهر أنت؟ لتردّ عليها والدتي، وتُدخلنا الممرضة إلى سرير تحيط به آثار دماء. أذكر إلى اليوم مظهر سلّة النفايات بجانبي، التي كانت مليئةً وكان شكلها مرعباً، وصراخ الفتاة صغيرة السن التي كانت تلد بجوار سريري، والتي كنت أراها من طرف الستارة، وصراخ التي تولّدها في وجه والدتها، قائلةً لها: ‘بدكن تجوزوا بناتكن… تفضلوا هيك النتيجة'”.
تكمل رويدا حديثها، وتقول إن قابلةً تدعى أم أحمد دخلت إلى جناحها وقالت لها: “شو عم تستني. لسا ما شلحتي. خلصينا شو ما في غيرك”. تضيف: “شعرت بالخوف منها، فقامت بفحصي وقالت لي: ‘اليوم بتولدي لا تروحي’… وبدأت تكرر فحوصاتها كل 30 دقيقةً تقريباً، وبعدها طلبت مني أن أمشي في ممر التوليد أو غرفة ‘المخاض’ الجماعية، وأن أشرب ‘زيت الخروع’ الذي يساعد على تسهيل الولادة. وهنا بدأت تأتي الانقباضات وتتسارع، فبدأت بالبكاء وتوسّلت إلى أمي أن تخلصني من هذا الألم”.
صرخت أمي على القابلة “أم أحمد” للنظر إليّ، لترد الأخيرة غاضبةً: “خذيها إلى سريرها لأقوم بفحصها. جاءت القابلة وطلبت مني فتح قدميّ. كنت خائفةً جداً، فضربتني وكرّرت الضرب بكل عنف وهي تقول: ‘اللي بيستحي ما بيجيب ولاد، ما حدا قلك تتزوجي وتجي تصرخي عنا’. ثم أكملت فحصي بكل عنف وكأنني جسد بلا روح ولا إحساس”.
استسهال العنف
يُعرّف عنف التوليد بأنه كل إساءة أو اعتداء لفظي أو جسدي أو تنمر أو إكراه أو إذلال أو اعتداء، يحدث للنساء في أثناء عملية الولادة من قبل الطاقم الطبي، بمن في ذلك الممرضات والأطباء والقابلات، بحسب منظمة “لاماز” الدولية (Lamaze). ويشمل تعرّض المرأة في أثناء المخاض أو الولادة لسوء المعاملة وعدم احترام حقوقها، بما في ذلك إجبارها على اتخاذ إجراءات ضد إرادتها على أيدي العاملين في المجال الطبي.
تُسهب رويدا في وصف ما حصل معها: “استمر ألمي من شدّة الانقباضات حتى بزوغ الفجر وعندها شعرت ببرد شديد برغم أننا في الصيف، وفجأةً صرخت أمي ونظرت إلى المكان الذي أشارت إليه فكان الدم يجري وكأنه دم أضحية. بدأت أصرخ وأسألها وأنا أبكي بشكل هستيري: فهميني شو صار؟ لتأتي القابلة وتقول لقد جاء دورك. بدأت ممرضة أخرى، لا أعرف حقيقةً توصيفها، بالضغط الشديد على بطني وأنا أنزف، ثم طلبوا من والدتي الخروج. كان صوت صراخي من الألم يصل إلى والدتي التي كانت تبكي في الخارج، كما أخبرتني. في تلك اللحظات صفعتني الممرضة على وجهي وكنت أحسب أنها تفعل ذلك كي لا أغيب عن الوعي؛ لكنها في الحقيقة كانت تريد كتم صوتي لأنني أزعجتها”.
تنظر رويدا في عيني ابنها، لتتأكد من أنه خلد إلى النوم، ثم تنقله من حضنها إلى السرير، وتكمل حديثها: “عندما شعرت بأن رأس الطفل بدأ بالخروج بدأت الممرضة بالضغط الشديد على بطني وبدأت القابلة بضرب قدميّ بكل قوّة، وطلبت من ممرضة أخرى أن تمسكهما لكيلا أغلقهما وسط صراخ من القابلة أم أحمد: ‘العمى بقلبك ما أقواكي… يالله خلصينا'”.