“شتم وإخراج من الملة”… هجمة على الأردنية هالة عاهد والتهمة اعتناق الفكر النسوي

تتعرض المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان الأردنية هالة عاهد، منذ أيام، لحملة تشويه وتحريض إلكترونية في بلدها، لا لشيء إلا لمشاركتها المحتملة في ندوات تعريفية بـ”النسويّة” ومبادئها، وهو ما دفع عدداً من المنظمات الحقوقية والنسويّة إلى إعلان التضامن معها في مواجهة “رُهاب النسويّة”.

بدأت القصة يوم 13 حزيران/ يونيو 2023 حين أعلنت منظمة المجتمع المدني “أهل” عن تنظيم سلسلة جلسات للمقيمات في الأردن بتيسير هالة عاهد لغرض “تعلّم النسويّة ومبادئها” في أربع جلسات وجاهية بالعاصمة عمان من 17 حتى 22 من نفس الشهر.

على الفور، توالت عشرات التعليقات المنتقدة على المنشور، على غرار:

زمن الرويبضة فعلاً”.

مبادىء النسويّة: شذوذ، بيدوفيليا، إلحاد… خلصت المحاضرة”.

كم بيت رح تخربوا، وكم بنت رح تفسدوا؟ عشان حفنة دولارات من منظمات نعرف كلنا أهدافها!”.

وصمت بـ”النسويّة المتأسلمة” و”عميلة منظمات التمويل الأجنبي” وجرى “تكفيرها”… حملة تشويه وتحريض ضد المحامية الحقوقية البارزة هالة عاهد في #الأردن بسبب مشاركتها المحتملة في جلسات توعوية حول “تعلّم النسويّة ومبادئها”

يختي لو تفتحي دورة طبخ أحسنلك وتعلمينا منسف وملوخية وشغلات. ع الأقل ما بتفوتي جهنم أنتي واللي بتدربيهم”.

أخطر نوع من أنواع النسويّات النسويّة المحجبة التي تظهر التدين وتبحث في الشريعة عما يسعفها في مشروعها النسوي”.

فرصة لمن يريد تعلم إحدى الديانات الجديدة المعاصرة، فقد بنيت ‘النسويّة‘ على خمس: عقوق الأب، وكراهة الأخ، واحتقار الزوج، والعداء المطلق للرجل، والإيمان بالأنثى إلها لا شريك له، وفي كل بلد لها طلاب يتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه”.

“ومن أخبركم أننا كنساء نريد تعلم نسويتكم… نحن ندين بالولاء الكامل لأحكام رب العالمين التي وضعها لنا وفقط”.

النسويّة تيار تربوي لا علاقة له بالحقوق لا من قريب ولا من بعيد. ولا ينفصل إطلاقاً عن الشذوذ بأعمق تجلياته المتوحشة التي يوفرها التعبير المصطنع #النوع_الاجتماعي. وتبعاً لذلك فهي أول الطريق نحو #التمرد_على_الفطرة، ومنها إلى #الردة و #الإلحاد“.

دورة تعليم رفض الشريعة وأحكامها، عقوق الأب لأنه ذكر، التمرد على الزوج لأنه ذكر، طاعة مدير العمل بدل الزوج. الطلاق بحجة الحرية. الاحتكاك بالرجال بحجة الاستقلال المالى، وتشريد الأسرة بحجة الثقة بالنفس”.

عقيدة النسويّة المتدثرة المحجبة تقوم على ضرب الشرع تحت غلاف ‘المساوة والذكورية‘ فتسقط الأحكام الشرعية بناءً على المركزية حول الأنثى وكأنها كائن مقدس به نحدد الصحيح من الخطأ”.

الفكر النسوي، الذي يحلل ما حرم الله، يحرم الإسلام المساواة في الحقوق لأنه ظلم على الأنثى التي تقوم بعمل الرجل، يذهب كل ما أعطاها من حقوق واجبات لها، تعمل كأنها إله… ثم تبحث عن ذكر يمتعها وهذا محرم… الحياة الزوجية في ظل زواج شرعي أفضل وأسعد وحقوق المسؤولية على كلاهما على بعض”.

وهاجم كثيرون الخيارات المتاحة لملء خانة “النوع الاجتماعي” في استمارة التقدم للمشاركة في الجلسات، وهي: امرأة، رجل، أخرى، يفضّل عدم التصريح. واعتبروا ذلك دليلاً على أن “النسويّة ضد الدين والفطرة”.

هالة عاهد: مخطئ من يعتقد أن حجم الهجوم وبذاءته قادران على إخافتي وإسكاتي. على العكس تماماً، هما دافع أكبر لي للاستمرار. الطريق صعبة وطويلة لكن الرحلة تستحق، وأرى ما أريد

وحرض البعض منهم: “على كل رجل قوّام في الأردن أن يمنع نساءه من حضور مثل هذه الجلسات التبشيرية بهذه العقيدة التكفيرية، الله يقول ذكر وأنثى وهم يقولون نوع اجتماعي، الله يقول الرجال قوامون وهم يقولون متساوون، الرسول يقول لن يفلح قوم ولّووا أمرهم امرأة وهم يقولون سيفلح، كل مبادئهم تصادم الشرع”.

وفي غضون ساعات، اتسع الهجوم من التعليقات على الإعلان إلى حملة إلكترونية ممنهجة ضد عاهد، وصمت المحامية الحقوقية خلالها بأنها “النسويّة المتأسلمة” و”عميلة منظمات التمويل الأجنبي”، مع دعوات إلى محاكمتها وسحب الجنسية الأردنية منها. مع التذكير ببعض أنشطتها الحقوقية وندواتها في دول أوروبية مثل السويد كدليل مزعوم على ترويجها لـ”أجندة غربية تخريبية”.

هالة عاهد توضّح

تفاعلاً مع الهجوم الحاد، خرجت هالة عاهد توضّح موقفها من الاتهامات المزعومة. كتبت في سلسلة تغريدات: “بعد الشتم والإخراج من الملة؛ ربما بات كل متابع ذي ذمة وأخلاق يعرف لماذا أنا نسويّة. أتفهم دوافع كل من علق ولست مضطرة لاحترام الكثير منها (تقصد التعليقات) أو قبوله؛ فكثير منهم لا يعلم والإنسان عدو ما يجهل، ومنهم من ينكر أن للنساء حقوقاً ويعلنها مرة بذكورية صريحة ويغلفها مرات بتفسيره المشوه للدين”.

وتابعت: “وآخرون يعرفون ولا يتفقون مع النسويّة كفكرة أو يختلفون مع ما يعرفون من مدارسها وهذا حقهم. الجلسة تعريف بمبادئ النسويّة ومدارسها، والطرح تعريفي ونقدي في آنٍ واحد. فأنا هالة عاهد أختلف كما كثير من النسويّات مع نسويّات أخريات في العالم ونختلف مع النسويّة الليبرالية والكوليناليّة، وننتقد مدارس أخرى لا نشاطرها تمام الفهم”.

وذلك قبل أن تستدرك بالقول: “لكننا نسعى في حراكنا لمحاربة التمييز لتطوير أدواتنا، مستفيدات من تجارب النساء في العالم ومنطقتنا، مراعيات تحدياتنا وخصوصيتنا دون أن نكون مستسلمات لها أو مرعوبات من الانتقاد والهجوم. هذه قضيتي؛ كقضايا الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية”.

بدورها، خرجت منظمة “أهل” بـ”توضيح“، قالت فيه: “جاءتنا أسئلة وتعليقات عديدة عن الجلسات التي أعلنا عنها: هي جلسات تعليمية ونقاشيّة عن مبادىء النسويّة. نتعلم لنفهم ونفكر ونختار. نتطرق لمدارس النسويّة المختلفة ومجموعة من المفاهيم الأساسية في الفكر والحراك النسوي. ونتطلع على نماذج التحري النسويّة من دول عربية وحقب تاريخية مختلفة”.

مركز الخليج لحقوق الإنسان: تتعرض مدافعة حقوق الإنسان البارزة هالة عاهد إلى حملة جائرة في وقتٍ تستحق بكل جدارة الاحتفاء بمنجزها في الدفاع عن حقوق المواطنين المدنية والإنسانية

وأضافت المنظمة: “الجلسات هي جزء من عمل مع مجموعات صغيرة من النساء اللواتي يعملن على قضايا تخص المرأة في مجتمعاتهن وتسعى لإحداث تغيير يخدم هذه المجتمعات (العنف الجسدي على المرأة والأطفال، العنف الرقمي، المرأة في العمل كأمثلة). اخترنا أن تكون وجاهية لتعزيز العمل ضمن المجموعة الصغيرة في أيام متباعدة”.

وختمت: “نثق بالأستاذة هالة عاهد لأنها نسويّة دون أن تنصاع لأي شيء غير مبادئها، ولأنها دون أي شك من أكثر الناس قدرة على نقل الخبرة والمعرفة للدفاع عن الحقوق بأصالة لهذه المجموعة المحظوظة من النساء الساعيات للتغيير”.

ومع استمرار الهجوم، عادت عاهد للتأكيد على أن ما تعرّضت له “خلال يومين، تكثّف ما نشهده كنساء منذ سنوات؛ محاولات إقصاء وفرض نموذج واحد للقيم والأخلاق”، مخاطبةً كل من هاجمها “نعم، معكم حق، فأنا لا أشبهكم، وأعمل وسأظل أعمل على محاربة القمع والظلم سواء مارسته سلطة سياسية أو اجتماعية ، لا أخضع لتمويل ولا أجندات ولا لتهديد ولا ترهيب”.

وأردفت: “أعلن مبادئي ولا أستحي منها، مع المساواة والعدالة الاجتماعية وضد الظلم والتمييز. ومخطئ من يعتقد أن حجم الهجوم وبذاءته قادران على إخافتي وإسكاتي. على العكس تماماً، هي دافع أكبر لي للاستمرار. الطريق صعبة وطويلة لكن الرحلة تستحق، وأرى ما أريد”.

هالة عاهد: أعلن مبادئي ولا أستحي منها، مع المساواة والعدالة الاجتماعية وضد الظلم والتمييز.

ثم تعهّدت الحقوقية الأردنية “تقديراً واحتراماً لكثيرين كانت آراؤهم أن لا بد لي من التصدّي للأسئلة والنقاش على تويتر خلال هذين اليومين، نظراً لحجم النقاش (إن كان يمكن تسمية الكثير منه نقاشاً أو حواراً) لا يمكن قضاء الوقت للإجابة عليها جميعها، آخذين بعين الاعتبار أن تويتر ليس مساحة كافية للنقاش”.

وبينما تحفّظت على الرد على أي “مناقشة عقيمة وغير ذات معنى” أو أي أسئلة الغرض منها “تبرئة نفسها”، أبدت عاهد استعدادها التام لـ”عقد جلسة حوارية أونلاين مع من يشاء أو مناظرة كما طالب البعض”.

“تستحق الاحتفاء بمنجزها الحقوقي”

على الجانب الآخر، نشط عدد من المدافعين/ ات عن حقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية والنسويّة في الدفاع عن عاهد والتضامن معها، بما في ذلك جمعية تقاطعات الأردنية النسويّة التي غرّدت عبر تويتر: “نتضامن مع الأستاذة هالة عاهد ونذّكر بتاريخها وكل ما قدمته للدفاع عن حقوق الإنسان في الأردن، ودعمها المستمر لكل مجموعة وحراك حقوقي ونسوي ناشط في الأردن وندين تجاهل هذا التاريخ وما تعرضت وتتعرض له الأستاذة هالة اليوم في حملة شتم وتكفير وتحريض مسيئة على خلفية إعلان نُشر عن تقديمها تدريباً حول النسويّة ومبادئها”.

ونددت “تقاطعات” أيضاً بـ”التحريض والشيطنة المستمرة لكل ما هو نسوي وما يمارس من خطابات كراهية ضد الناشطات والمجموعات النسويّة”، مستدركةً “نحن نعي ونتفهم المخاوف المجتمعية تجاهها، ونعي أننا شعوب تعرضت وما تزال تتعرض لاستعمار يحاول تشويه فكرها وثقافتها ومعارفها، ونحترم حقنا كشعوب بالدفاع عن أنفسنا، لكننا نؤكد أننا جزء من هذه الشعوب، نشاركها همومها وتخوفاتها وأن هذا الدفاع عن النفس لا يكون عبر إقصائنا وتعنيفنا”.

وختمت المجموعة النسويّة بالدعوة إلى “مناقشة الأفكار والتوجهات السياسية والاجتماعية المتعددة بدلاً من رفضها ومهاجمته”.

كما استنكر مركز الخليج لحقوق الإنسان (GC4HR) “الحملة الجائرة التي تتعرض لها مدافعة حقوق الإنسان البارزة هالة عاهد في وقتٍ تستحق بكل جدارة الاحتفاء بمنجزها في الدفاع عن حقوق المواطنين المدنية والإنسانية”. وحثّ السلطات الأردنية على “توفير كافة أشكال الحماية لها من أجل تقوم بعملها السلمي دون أية مضايقات أو استهداف عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو خارجها”.

الجدير بالذكر أن عاهد فازت، في نهاية أيار/ مايو 2023، بجائزة فرونت لاين ديفندرز لعام 2023 لمدافعي حقوق الإنسان المعرضين للخطر، والتي أهدتها بدورها إلى زميلاتها وزملائها في اتحاد المرأة الأردنية، الملتقى الوطني للدفاع عن الحرّيّات، وكذلك نقابة المعلمين الأردنيين التي بالرغم من صدور قرار قضائي يسمح بعودتها إلّا أنّ الحكومة تمتنع عن إجراء انتخابات جديدة أو السّماح لها بالعمل من جديد.

شاركنَ المنشور