يارا أحمد (اسم مستعار)| الحركة السياسية النسوية السورية
كنت أشعر بأنني خائفة جداً، يجلس في باص النقل الداخلي بقربي ويحاول الاقتراب مني أكثر، وأنا أحاول أن ابتعد عنه وألصق جسدي بالشباك، حتى ضقت ذرعاً به، والتفت إليه لأصرخ في وجهه، إلا أنه نهض مباشرة وطلب النزول من الباص.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها سناء طالبة اللغة الفرنسية للتحرش، بحسب وصفها، بعدها تعرضت له في عدة مواقف لكنها كانت سريعة واستطاعت تجاوزها لأنها لم تخف كما في المرة الأولى.
لعبير؛ وهي موظفة في مؤسسة مجتمعية، قصة مشابهة، لكنها مؤلمة، حيث تعرضت للتحرش من مديرها في العمل، واضطرت للسكوت حتى لا تخسر فرصتها في العمل، إلا أن الأمر زاد عن حده حين بدأ بمضايقتها طالباً منها الدوام في أيام العطل بحجة إنهاء العمل المتراكم.
خسرت عبير وظيفتها كما خسرت سمعتها لأنها حاولت إيقاف مديرها عند حده، ووجدت نفسها بلا عمل وبلا أخلاق كما وصفها زملاؤها الذين رفضوا مساعدتها.
قصص كثيرة ترويها الفتيات عن تعرّضهن للتحرش سواءً في أماكن العمل أو في الدراسة أو حتى في المواصلات او حتى على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن الواضح أن أماكن العمل هي البيئة الأكثر استقبالاً للمتحرشين كونها تضع الفتيات على المحك في خسارة العمل في حال كان المتحرش المدير أو أحد أرباب العمل.
عار ممتد
وخلافاً لما هو معتاد، فكل القضايا تلقى مطالبة المسؤولين/ات وذوي/ات الاختصاص بالمناداة بالحقوق، والمطالبة بها، إلا في القضايا التي تخص المرأة، فوصمة العار التي ستلحق المجني عليها إثر افتضاح أمر المعتدي، ستتحملها هي، وسيتكفل أهلها ومجتمعها بدفع ثمنها من سمعتهم ويضاف عليها خسارتها عملها أو جامعتها وهذا ما سيقف عائق في مسيرة حياتها سواء مهنياً أو تعليمياً أو حتى اجتماعياً.
ولو أن أحداً من المعنيين خسر أموالاً لكان أقام الدنيا ولم يقعدها في سبيل استرجاع حقه والنيل من السارق، لكن أن تسرق براءة فتاة، أو أن تخسر أخرى طعم الراحة وشعور الأمان في مكان دراستها أو عملها أو في الطريق، فهذا لا يعني لأحد شيئاً وهذا أمر يرجع لها، ولها وحدها، وعلى أهلها أن يسكتوها وإلا دفعوا ثمن كلامها عاراً لا يمحى مع الأيام.
لا نص قانوني صريح
المحامي أ.ع، رفض الكشف عن اسمه الصريح، يؤكد أن القانون السوري تعرّض لقضية التحرش وخاصة التحرّش ضد الأطفال، ففي المادة 505 من قانون العقوبات السوري إشارة صريحة لذلك إذ تنص على: “من لمس أو داعب بصورة منافية للحياء قاصرًا لم يتم الـ 15 من عمره، ذكرًا كان أو أنثى، أو فتاة أو امرأة لهما من العمر أكثر من خمس عشرة سنة دون رضاهما، عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف السنة”.
أما المادة 506 فتتعرض للتحرش اللفظي إذ تنص على أن: “من عرض على قاصر لم يتم الـ 15 من عمره عملًا منافيًا للحياء، أو وجه إلى أحدهم كلاما مخلاً بالحشمة، عُوقب بالحبس التكديري ثلاثة أيام”.
لكن ذلك لا يكفي، فبحسب المحامي أن هذه الجرائم تعتبر جنحاً وهي “ماعدا الاغتصاب” لا تزيد عقوبتها عن الثلاث سنوات سجن، وهي غير رادعة برأيه.
واستنكر المحامي عدم تضمين القانون السوري لما يسمى جرائم التحرش أو الاستغلال الجنسي، مكتفياً بالتعرض للآداب والأخلاق العامة، مشيراً أن عقوبة التعرض للأخلاق العامة هي الحبس من 3 أشهر إلى 3 سنوات، وتشدد للحد الأعلى إذا كان من وقع عليه الجرم لم يتجاوز التاسعة من عمره.
ونذكر هنا بحسب المشرّع السوري (آداب عامة) هي (مجموعة قواعد السلوك التي تعارف الناس على احترامها في ذاك المجتمع بدافع من دينهم أو عاداتهم أو بحكم التفكير السليم والأخلاق الفاضلة باعتبارهم قيدوا أنفسهم باحترامها وأصبحوا يتأذون من الجرأة على انتهاكها) والمشرع السوري شرع نصاً قانونياً بغرض احترام الآداب العامة في المادة /517/ من قانون العقوبات العام . ونصها:
“يعاقب على التعرض للآداب العامة بإحدى الوسائل المذكورة في الفقرة الأولى من المادة /208/ بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات.”
المجتمع فاعل سلبي
وعلى الرغم من أن التحرش فعل غير مقبول ومرفوض تماماً مهما كانت دوافعه، إلا أن انتشاره وخاصة في الفترات الأخيرة يجعل التساؤل حول أسبابه وارداً، ولعل سكوت المرأة عن المتحرّش وخوفها من المجتمع وعدم تدريبها على الجرأة في الدفاع عن نفسها ومعرفة حقوقها كان سبباً رئيساً في تفاقم الظاهرة، وهو ما تؤكده الخبيرة الاجتماعية لين أحمد، التي تبين أن صمت المجتمع عموماً والأهل خصوصاً عند التبليغ عن حالات التحرش، إضافة إلى لوم النساء المتعرضات للتحرش شكّل عاملاً سلبياً في استمرار المعتدي في تصرفاته المشينة.
وتشير الخبيرة لين أحمد أن دور المجتمع السلبي لا يتوقف عند عدم إنصاف النساء المتعرضات للتحرش، بل يمتد أيضاً للوم المرأة على لباسها وتزينها الذي سبّب التحرش لها وجذب المتحرّش نحوها .
وتدعو الخبيرة جميع النساء والفتيات اللواتي تعرضن للتحرش سواءً كان لفظياً أو جسدياً لمواجهة المعتدي والقصاص منه عبر القانون، وبالمقابل توجه دعوتها للأهالي ليكونوا عوناً لبناتهن المتعرضات للتحرش، مؤكدة أن المتحرش لايهمه شكل المرأة ولا لباسها، كل مايهمه هو انتهاك جسدها لإرضاء نزواته الشاذة.
الحلول موجودة… فهل من مستجيب؟!
على الرغم من عدم وجود إحصائيات تتحدث عن أعداد المتعرضات للتحرش سواءً في أماكن العمل أو في أماكن التعليم أو حتى المواصلات؛ إلا أن الواضح أنها تتزايد يوماً بعد يوم.
يتساءل الناشط الحقوقي رائد عن النشاطات التي تقوم بها الجمعيات والمنظمات المعنية بقضايا المرأة، ويطالب بزيادة الاهتمام بتوعية المجتمع والأهل بعدم التنازل عن حقوقهم ضد المعتدين.
في النهاية نستطيع أن نجزم وبعد كثير من المشاهدات والقصص أن أغلب النساء في سوريا تعرضنَّ للتحرش سواءً أكان لفظياً أو جسدياً، لكنهنَّ جميعا غير قادرات على الكلام أو معاقبة المعتدي خوفاً من نظرة المجتمع ومن وصمة العار التي ستلحق بالضحية، “بدلاً من أن تلحق بالمعتدي”.
وهنا؛ لابد من التأكيد على دور المنظمات وحملات التوعية بأن تستهدف النساء لتثقيفهنّ في هذا المجال، خاصة أن الكتب المدرسية وحتى الجامعية تغفل حتى اليوم أي جانب من جوانب التوعية الجنسية والحقوقية، على الرغم من أهمية العمل على نشر التوعية المجتمعية بقضايا التحرش وأهمية إعلاء الصوت وعدم الخجل من المطالبة بالحقوق.