سيطرة بالمازورة.. الهوس المجتمعي بأجساد النساء لم يختفِ أبداً

أعترف.. عِشتُ عمري مع رهاب السمنة والنحافة، جرّاء تفشي الهوس المجتمعي بأجساد النساء من حولي. فتعرّضت في صغري للقصف بصورٍ ذات جمالٍ مثالي غير واقعي، ويصعب عليَّ تحقيقه.

وبما أن الألم النفسي لا يقبل البرهنة، بل يُعاش كتجربة تبقى لمحاتها عالقة في خبايا الذاكرة. ما زالت مرارة الغصّة مستقرةً في حلقي كلما تذكرت الحوارات المسمومة لنساء عائلتي، وتعليقاتهنّ القاسية حول مدى جمالية جسدي.

حتى بعد رحلتي الطويلة التي قطعتها مفتوحة العينين، وأنا أشدّ على يدي نحو تحرير صورة جسدي الذهنية من شوائبهنّ، الرامية إلى إقناعي بأن ثمة خطأ ما، وأنني غير جديرة بالحب، لم يختفِ ألمي ولم يداوِه الزمن.

فما أن قرأت رواية “جرام”، للكاتبة ليان إللول (Leanne Ellul)، حتى بدأت نبضات قلبي تتسارع، وأطرافي تتجمد، إزاء اجترار ذكرياتي المؤلمة مع كل سطرٍ تطل منه قصة البطلة، التي لمستني تماماً. فعانينا كلانا من الهشاشة النفسية في مجابهة إملاءات الكاتالوج المجتمعي، وقياسات المازورة لما يجب أن تكون عليه صورة الجسد “الأنثوي” المثالي.

لُقبت في صغري بـ”المعصعصة” بين نساء عائلتي، نظراً لشدة نحافتي، وبروز عظمتي الترقوة وضلوع قفصي الصدري. فنصحن والدتي بـ”تزغيطي كالبطة” بالمكملات الغذائية، وبأصناف الطعام الدسمة النابعة من الثقافة الشعبية، مثل المفتقة (معجون العسل الأسود والسمسم) وعصيدة القمح. كل ذلك بالطبع، من دون وصفةٍ طبية. وكل ذلك لأتحوّل إلى فتاةٍ “مربربة” عند قدوم “خرّاط البنات” لزيارتي، ويُحسن صقلي على نحوٍ يثير إعجاب عرسان المستقبل. فالرجل في رأيهنّ يحب الامتلاء، لذا عليَّ “اكتساب بعض الوزن لأنال قبوله”!

إذ حصر المجتمع قيمتهن في مظهرهن أمام المرآة، على نحو يستمر معه خوفهنّ من التعرض للفشل العاطفي والاجتماعي، بسبب عدم تماهي أجسادهن مع ما هو محدد ومتوافق عليه مجتمعيًا.

معايير الجسد “الأنثوي” المثالية

وحين وصلت إلى سن المراهقة، كان وزني قد زاد بفعل جرائم التزغيط المرتكبة في حقي. بيدَ أنني -و يا للمفارقة – لم أحظَ بإعجابهن أيضاً. فالرجل في رأيهنّ يحب الامتلاء من دون إفراط. فكان عليَّ التخلص من “الغرامات الزائدة” على الفور. وكأنني أمتلك جسداً يمتاز بقدرات التمدد والانكماش مثل لعبة اليويو (كرة مربوطة بحبلٍ مطاط) السحرية!

لم أنسَ أبدًا الموقف الذي أعطتني فيه إحدى قريباتي المخضرمات مجلةً للموضة. كان بداخلها صورة عارضة أزياء نحيفة، بعضلات بطنٍ بارزة، تماشياً مع مقاييس الرشاقة آنذاك، مرددةً قولها المحمل بالإيحاءات: “فكري في جسمك زيّ ما يكون عربية. كل ما كان حجمها أصغر، كانت السيطرة عليها أفضل وقت الاصطدام”.

كُنت أقف على أعتاب الرابعة عشرة من عمري، حين أدخلوني عنوةً في المقارنات مع ذوات الأحجام المثالية في نظرهنّ. ترافق معها كمٌ مخجل من الإسقاطات الإيروتيكية المنذرة بحرماني من السعادة الزوجية المرتقبة، ما لم أخضع لمواصفات كتالوج الجسد “الأنثوي” المثالي. وهي مواصفات غير واقعية وغير قابلة للتحقيق بالنسبة إلى معظم النساء. كما أنها نابعة في الأساس من إكراهات المخيلة الذكورية لتحقيق متعة الرجل. وبكل ما تفرضها من آلام جسدية ونفسية للوصول إلى الشكل والحجم الذي يُحبّه هو.

إذ تنظر الثقافة الشعبية إلى النساء كمجرد أجساد، لا كائنات اجتماعية تمتلك كل واحدة منهن جسدًا مختلفًا عن الأخريات. ما أدى إلى حصرهن تدريجيًا داخل تصورّات الجسد الأيقوني ذي المعايير المثالية. وهو ما يشعرها بالخزي في حال عدم تمتّعها بالمظهر المنصوص عليه في الكتالوج المُتوافق عليه في محيطها. هذا الأمر يتسبب في شعورها بعدم الرضا عن مظهرها، بطريقةٍ تقضي على وكالتها على جسدها، وتؤثر على حالتها النفسية والصحية.

الهوس المجتمعي بأجساد النساء

يعود الهوس المجتمعي بأجساد النساء، وتمثّلاته الإيروتيكية إلى أقدم العصور، كما يُحاجج “جان ليك هينيغ” في كتابه “موجز تاريخ الأرداف“.  “إننا نعتقد بسعادة الخط المنحني، ونريد أن نجدها في كل مكان. ولكن ما نبحث عنه في خط المنحنى، هو المرأة في معظم الأحيان”.

وظهر ذلك جلياً في المنحوتات والجداريات والأعمال الفنية، بدايةً من منحوتة “فينوس ولندورف” البدينة في العصر الحجري. ولوحة “فينوس أوربينو” البيضاء المكتنزة، للرسام الإيطالي “تيتيان” في عصر النهضة. ومنحوتات “نانا” الضخمة غريبة الأطوار للفنانة التشكيلية المعاصرة “نيكي دي سانت فال” (Niki de Saint Phalle)، وهي مَن قالت ذات يوم: “العالم مستدير .. العالم نهد”. كما ظهر في كتابات الرحالة والمستكشفين والشعراء/الشاعرات.

فلا نستغرب أن الطبيب الفرنسي “كلوت بك”، الذي عهد إليه “محمد علي باشا” بعملية تنظيم الإدارة الصحية للجيش المصري، أعطى جزءاً من وقته لوصف أثداء المصريات ضمن صفحات كتابه “لمحة عامة إلى مصر“، الذي أرّخ فيه لسنوات إقامته داخل الأراضي المصرية. إذ قال:

“أعضاؤهنّ صغيرة مستديرة منتظمة. أعينهنّ واسعة سوداء سواداً فاحماً، ينقدح منها شرر الحياة. تحيط بها أهداب طويلة، تزيد وجوههن حُسناً، وتبث فيها من الحلاوة ما يستهوي الأفئدة. وأثداؤهن جيدة لتكون حسنة الوضع، وافية الصلابة، تحلي صدوراً عريضة، لا قبل لها بالحيل الضارة”. يقصد حمالات الصدر التي تلجأ إليها النساء الأوروبيات بغرض تحسين مظهر الثدي.

فنحن مجتمعات بشرية مهووسة بشكل وحجم المرأة، وبطريقة تغذي الضغوط لامتلاكها صورة أو مظهر خارجي ذي مواصفات معينة، ما دفع الفنانة الهندية “إندو هاريكومار” إلى تدشين مشروعها الفني لتوثيق التجارب الشخصية للنساء مع التحرر من هوس الرجال في محيطهنّ بأحجام أثدائهنّ، بما تتضمنه من مشاعر قلق وخوف وخزي. ومنحته اسم (Individuality)، في تلاعبٍ لفظي يمزج بين كلمات هوية وصدور، ويقارب نطق كلمة إرادة في اللغة الإنجليزية.

أجساد النساء: الشيء المخبّأ هو السّر

فارتبطت المكانة الاجتماعية للنساء في الثقافة والجمال الشعبيين بمدى تحقيقهن مقاييس الجسد الأنثوي المثالي. هذا الذي يقع ما بين درجات السمنة والرشاقة، والتصعيد الخيالي لقدراته الجنسية ما بين البراءة والشبقية، وقدرته الإنجابية ما بين الخصوبة والعقم. وفي كل مرةٍ، كانت المخيلة الذكورية تقف خلف الستار، حاضرة هناك لرسم الصور الذهنية لما يجب أن يكون عليه هذا الجسد.

وهنا، دعونا نعود إلى الوراء، بحثاً عن الجذور التاريخية في مسألة إكراهات المخيلة الذكورية على أجساد النساء، وما تلاها من ممارسات وسلوكيات قمعية. وهي سلوكيات كرّست لاضطهاد النساء، وفقاً لما يعرف اصطلاحاً بـ”السيطرة الممأسسة”، التي تعزز التمييز الجندري لصالح الرجال. هذا كلّه في ظل حضارة ذكورية قائمة في الأساس على كبت النساء، والإبقاء عليهن تحت السيطرة. هكذا يكن حبيسات أدوار نمطية، تلك التي برأَت منها الطبيعة البيولوجية لأجسادهن، ووقعت في ذنبها التنميطات الاجتماعية والقوالب المعيارية.

على مدار قرون، دفع الغموض التشريحي لجسد المرأة وأعضائها الجنسية عند الرجل القديم، الذي عاش في العصور البدائية، ونظرته إلى ذاك الجسد كـ”شيء جامح، يملك أسراره ونوافذه وممراته الخفيّة. فكانت المرأة بالنسبة إليه هي القادرة على ولادة حياةٍ جديدة، تخرج من الظلام الدامس للرحم. مع لجوءئه إلى عَقد المقارنات بين المهبل المُلْغَز، ووضوح ذاك المتكور بين فخذيه، فيما عرف بهيمنة “المركزية الذكورية”.

هكذا، كانت النساء والفتيات على مر العصور، ومن كافة الثقافات والمجتمعات، شريكات في الهم.

أجسام النساء بين الإعجاز والتهديد

إلى جانب رغبته الغريزية -ككائن حي- في الحفاظ على حياته من الفناء، بعد أن أدركَ بعقله أن “المرأة هي أصل الحياة، نتيجة قدرتها على إنتاج النوع البشري”. فربط استمرار بقائه على قيد الحياة بوجود جسدها الجامح، وقدراته على خلق الوجود بطريقة غير مفهومة بالنسبة إليه. ومع جهله التام بطبيعة دماء الحيض، ولبن الرضاعة، تولّد لديه شعورٍ متزايدٍ بالرهبة والخوف من احتمالية هيمنة أجساد النساء على حياته.

إذ لا يتعلق الأمر في ما يمثله الجسد الأنثوي من انجذاب جنسي بالنسبة إلى الرجال فحسب، بل يكمن في النظر إليه كتهديد لبقائه داخل مجتمعه. حيث الوجه الخفيّ للعبة “السيطرة” هو “الخوف”. لذلك، فرض هيمنته على ما خفي عليه، وأثار مخاوفه. ومن هنا لجأ الذكر القديم إلى نشر الأساطير حول قدرات وإمكانيات “الجسد الأنثوي” المجهولة بالنسبة إليه. وبطريقةٍ خبيثة، قضت أساطيره تدريجياً على وكالة النساء على أجسادهنّ، وأعطت كامل السلطة عليها للرجال.

ففي الأسطورة الإغريقية القديمة، خلق الإله “زيوس” أولى نساء البشرية، “باندورا الجميلة”، المُلقبة بـ”صاحبة العطايا”، بتشريحٍ غامض، وُصف بأنّه كان جميلاً ومرغوباً وخطيراً. ومنحها صندوقاً مغلقاً يحتوي على كافة أنواع الشرور المدمّرة، وحذّرها من هلاك البشرية إذا ما تم فتح الصندوق. لتمثل الأسطورة فيما بعد تحذيراً مخيفاً من عواقب عدم السيطرة على أجساد النساء، لحماية البشرية من قدرتها التدميرية. كما حاجج الطبيب اليوناني “أبقراط”، المُلقب بـ”أبو الطب”، “النساء يملكن طبيعة غير مستقرة، بسبب تشريحهنّ الجنسي غير المكتمل. لذا، يجب إخضاعهن إلى السيطرة الصارمة، حتى لا يصبحن قويات أو مستقلات”.

إكراهات المخيلة الذكورية على أجساد النساء

بمرور الزمن، فرضتْ السلطة المجتمعية القواعد والمبادئ التوجيهية لما يجب أن تكون عليه صورة “الجسد الأنثوي” في معظم الثقافات. وبهدف الإبقاء عليه تحت السيطرة التامة، شوهته مجموعة من الممارسات اللاأخلاقية الرامية إلى منع نضوجه، مثل ربط الأقدام وتشويه الأعضاء الجنسية وكي الثديين. وغذت هذه الجرائم لدى النساء الشعور بالخجل والقلق من أحجام أجسدهن، ما لم يخضعن إلى تلك الممارسات الوحشية.

ويحيل هذا الأمر برمته إلى فكرة ضرورة ضبط أجساد النساء بالمازورة (أداة قياس)، التي لم يمتلكنها يومًا. فما حاجتهن إلى امتلاك أداةٍ القمع، بعدما قرر المجتمع فرض السيطرة عليهن، عبر تشجعيهنّ على التماهي مع إكراهات المخيلة الذكورية؟ تلك الإكراهات التي خلقتْ بيئة تتحكم بهن بناءً على مظهرهن الجسدي، بدلاً من شخصياتهنّ أو قدراتهن.

ففي موريتانيا مثلاً، تُعدّ النساء البدينات نموذجًا للجمال الموريتاني. إذ يرتكز جمال المرأة في بروز منحنياتها بالنسبة إليهن/م. وبالتالي، يُعنى جيداً بتسمين وتربية أرداف الشابات المُقدمات على الزواج. كما تلجأ الأسر الفقيرة إلى عملية تسمين قسري بأقراص عقار “الديكساميثازون”، المستخدم أساسًا في عملية تربية الحيوانات، لضمان تزويجهن مبكراً.

بينما يتوافق هذا الأمر مع ما عبّرت عنه المُفكرة النسوية “سيمون دي بوفوار” في كتابها الجنس الآخر، الصادر عام 1949. حينما فسّرت مطالبة المجتمع من النساء بأن يجعلن من أنفسهن موضوعاً إيروتيكياً، لتحقيق متعة الرجل.

أجسادنا.. لا مجال هنا للفردانية

وعلى هذا المنوال، يتم “تنميط الجنس البشري” داخل قوالب مصقولة بمقاييس وأفكار موحدة، قررها الكتالوج المجتمعي وحده. ولا ننسى في هذا الصدد، الادعاء المجحف، الذي يقول إن: “الرجال من كوكب المريخ والنساء من كوكب الزهرة”.

هذا الادعاء هو أحد أكثر مظاهر مجتمعاتنا المهووسة بالحجم فجاجةً. ليس لأنه ادعاء يعكس التمييز ضد النساء والفتيات والنظر إليهن كنوع/جندر وليس كإنسان فقط، بل لأنه يقضي تماماً على حقيقة وجود اختلافات جوهرية بين النساء أنفسهن. فكلهن في نظره يتموضعن داخل ذاك القالب الأيقوني للمعايير المثالية المتعارف عليها، والمقبولة قبولاً عاماً. إذ لا مجال فيها للفردانية أو الاختلاف عن النمط الشائع.

ساعد هذا الأمر على شيوع ممارسات وحشية ارتُكبت في حق النساء في مختلف الثقافات وعبر كافة الصور. كجريمة ربط أقدام الصينيات لأن الرجل هناك يحب الزوجة صاحبة القدم الصغيرة. أو تشوية الأعضاء الجنسية للفتيات، لأن الرجل في المنطقة الناطقة بالعربية يحب الزوجة منزوعة البظر. أما مَن تخرج عن النمط والشكل السائد في محيطها، فتُنبذ وتنال أقسى العقاب.

وفي صفحات كتابه “أبناء الأيام”، وثّق الكاتب الإسباني “إدواردو غاليانو” حكاية استدعاء السيدة “خوانا آغيلار” إلى المحكمة الملكية في “غواتيمالا” عام 1803، ليفحصها الجراح “نرسيسو إسباراغوسا”.

إذ كانت متّهمة بـ”الإفراط الإجرامي في حجم بظرها الفاضح”. ليصدر الجراح تقريره الطبي، مقرراً أن بظرها جاء مخالفاً للسائد، ويستوجب التدخل الجراحي لتهذيبه.

ثم تمضي الأيام والأعوام والعقود، حتى عام 2021. حينها تفرّغت مجموعة من الباحثين في جامعة “أكسفورد”، لإعداد دراسة، تستحق عن جدارة نيل جائزة “نوبل للحماقة العلمية” (Ig Nobel Prize). وكان موضوع هذا الهُراء الموصوف بـ”البحث العلمي”: “العلاقة الخطيرة بين طول إصبع سبابة المرأة، ومدى أنوثتها وجودة علاقاتها الجنسية”!

كما لو أن أجساد النساء قادرة على الالتواء والتشكيل من تلقاء نفسها بناءً على أهواء المجتمع، ورغباته الخبيثة في السيطرة عليه، وتطلعات المخيلة الذكورية فيه.

اضطراب تشوّه صورة الجسد

أدى ذلك في مجمله إلى إصابة النساء والفتيات بما يعرف بـ”اضطراب تشوّه صورة الجسد”. وهو اضطراب شائع بين النساء، ويبدأ من سن المراهقة ويتعرضن بسببه إلى نوبات القلق المفرط، والاكتئاب الشديد، بشأن مدى جمالية أجسادهن. وذلك نتيجة تصوراتهن الخاطئة عن “العيوب الجسدية” الطفيفة أو الوهمية، والتي تكون عادةً غير واضحة للأخريات/الآخرين. فتشعر المصابات بهذا الاضطراب بالقلق بشأن شكل أي جزء من أجسادهن، مثل: عظام الأنف، أو حجم الثدي، أو حتى ظهور بثور حَبّ الشباب.

إذ حصر المجتمع قيمتهن في مظهرهن أمام المرآة، على نحو يستمر معه خوفهنّ من التعرض للفشل العاطفي والاجتماعي، بسبب عدم تماهي أجسادهن مع ما هو محدد ومتوافق عليه مجتمعيًا. وبعضهن قد يحاولن إصلاح “العيوب المُتصوّرة” بجراحات التجميل المتعددة، لغياب فكرة التعامل بإيجابية مع أشكال الجسد المختلفة.

فهن تربين على فكرة أن الجسد الوحيد المقبول مجتمعيًا، هو المُسيطَر عليه، عبر توافقه مع مقاييس المازورة المُعيّنة بالمليمتر في الكاتالوج المجتمعي للمعايير المقبولة. وانسحب الأمر على تنامي معدلات إجراء جراحات تكبير الثدي، وحقن الأرداف، وشد الوجه، وشفط الدهون، وشد البطن، وتضييق فتحة المهبل بعد الولادة الطبيعية.

هكذا، كانت النساء والفتيات على مر العصور، ومن كافة الثقافات والمجتمعات، شريكات في الهم.

من الصينيات ضحايا جريمة ربط الأقدام، والموريتانيات ضحايا التسمين القسري لأردافهن، والمصريات وغيرهن ضحايا عمليات تشويه الأعضاء الجنسية. والمراهقات الصغيرات اللواتي تجرعن عذابات رهاب السمنة والنحافة. يركضن ركضًا وراء تحقيق حلم “الجمال” الأيقوني. ليصبحن على صورة “فينوس” المثالية، وتحقيقًا لوهم الكمال الزائف الذي فرضته عليهن المخيلة الذكورية، ضمن وقائع لعبة الخوف والسيطرة.

شاركنَ المنشور