فيما يواجه الحراك النسويّ في لبنان الملاحقات الأمنية والقانونية وحيداً، ينشغل القضاء اللبناني بحملاتٍ تهدف إلى إسكات الناشطات والصحافيات بدلاً من حماية حقّهن في النشر والتعبير.
استكمالاً للحملة الممنهجة على الحريات العامة في لبنان، أحال المحامي العام الاستئنافي في بيروت، القاضي زاهر حمادة، الناشطة النسوية حياة مرشاد إلى التحقيق في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، في الدعوى التي قدمها ضدّها المخرج المسرحي جو قديح، رافضاً السير بالدعوى أمام محكمة المطبوعات.
هذا الإجراء يُخالف قانون المطبوعات، خصوصاً المادتين 29 و30، اللتين تنصّان على إلتزام قاضي التحقيق بإجراء التحقيق مع الصحافي أمام المطبوعات في حال نصّت الدعوى على ذلك. وهذه ليست المرّة الأولى التي تعمد فيها السلطة اللبنانية إلى إجبار صحافيين على المثول أمام جهاز أمني (مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية) عوضاً عن مثولهم أمام محكمة المطبوعات.
“لقد أصبح مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية فزّاعة تستخدمها السلطة لتكريس فكرة مثول الصحافيين أمام أجهزة أمنية، هذا النهج قديم وهدفه إسكات الصحافيين لكنني لن أمثل…”، تقول الصحافية والناشطة النسوية حياة مرشاد لـ”درج”.
تُضيف مرشاد أن استدعاء صحافيين ونشطاء للمثول أمام أجهزة أمنية تكرّر في السنوات الأخيرة، لكن اللافت في قضية مرشاد أنها قضية ذات أبعاد نسوية لا يتفاعل القضاء معها بجديّة، لا سيما إذا كانت مرتبطة بالعنف أو التحرّش، إذ يقع عبء إثبات الحادثة على الناجية، وهو ما يحصل تماماً بقضية جو قديح. إذ يُواجه قديح أكثر من 15 شكوى من ناجيات، إلا أن المُتّهم حُرّ، فيما يُلاحق قضائياً صحافيون وصحافيات يرفضون حضور قديح في أماكن عامّة.
ولمن لا يعرف كيف بدأت القصة، جو قديح هو مخرج مسرحي مشتبه به بالتحرش بعدد من تلميذاته عبر استدراجهن إلى بيته بحسب شهادات لعدد منهن اطلعت عليها ونقلتها عدة منصات نسوية وإعلامية. وفي آذار/ مارس 2023، أعلنت إدارة “مسرح مونو” عن عرض مسرحية لقديح مُتجاهلة شكاوى الناجيات وشهاداتهن ضده، الأمر الذي دفع مرشاد وغيرها لرفع الصوت وكتابة مواد صحفية عن الأمر.
“لقد أصبح مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية فزّاعة تستخدمها السلطة لتكريس فكرة مثول الصحافيين أمام أجهزة أمنية، هذا النهج قديم وهدفه إسكات الصحافيين لكنني لن أمثل…”
حياة لن تمثُل…
“مثولي سيكون تكريساً لشرعية هذا المكتب (مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية) لذلك لن أمثل”، تقول حياة مُؤكّدة رفضها المثول يوم الخميس 1 حزيران/ يونيو.
في التفاصيل، إن الدعوى التي أُحيلت بموجبها مرشاد إلى التحقيق تتعلّق بمقال نشرته “شريكة ولكن”، انتقدت فيه فتح مسرح “مونو” في بيروت أبوابه للمخرج جو قديح الذي واجه عام 2020 شهادات تتعلق بالتحرش الجنسي بنساء وقاصرات كن تلميذاته، وفقاً للمحامي فاروق المغربي.
أصرّ المحامي العام الاستئنافي في بيروت على مثول مرشاد أمام مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، على رغم إبرازها بطاقة عضويتها في نقابة محرري الصحافة اللبنانية وإثباتها أن الدعوى تتعلق بعملها الصحافي، بذريعة أن الموقع الإلكتروني غير مرخص، وفق المغربي.
يُوضح مغربي لـ”درج” أنه سيتّجه إلى إرسال مذكرة للمحامي العام الاستئنافي القاضي زاهر حمادة، والذي بدوره إما سيرسل بلاغ بحث وتحرٍّ بحق مرشاد، أو سيدّعي مباشرةّ أمام القاضي المنفرد الجزائي.
وللمفارقة، للقاضي زاهر حمادة سوابق من الاستدعاءات غير القانونية والتي تتجسّد فيها رغبة السلطة الصارخة بإسكات أي صوتٍ معارض. آخرها كان استدعاء الناشط في قضية مرفأ بيروت، وشقيق الضحية جو نون، ويليام نون، والتحقيق معه لساعات طويلة قضت بخروجه بعد الضغط الإعلامي والمجتمعي حينها.
تتعمّد السلطة استدعاء صحافيين ونشطاء معارضين أمام أجهزة أمنية بوتيرة متزايدة منذ انتفاضة 17 تشرين، وهو ما يُعيده فاروق إلى حقيقة أن “قانون المطبوعات لا ينصّ على توقيف احتياطي، في حين أن قانون الجزاء يتضمّن ذلك الخيار. كما باستطاعة المدّعي العام الطلب من الجهة المحقّقة إجبار الخاضع للتحقيق على حذف أو تعديل المحتوى المكتوب، وهو ما يعتبر طريقة ضغط”. يقول المغربي.
“قضاء على مين؟”
فيما يواجه الحراك النسويّ في لبنان الملاحقات الأمنية والقانونية وحيداً، ينشغل القضاء اللبناني بحملاتٍ تهدف إلى إسكات الناشطات والصحافيات بدلاً من حماية حقّهن في النشر والتعبير. فوفق مرشاد، هذا الادّعاء هو الثالث من نوعه ضدّ منصّة “شريكة ولكن” أمام “مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية” لعام 2023، بسبب تغطيات صحافيّة سابقة نفّذتها المنصّة دعماً لناجيات من العنف.
على وقع ارتفاع أعداد شهادات الناجيات من العنف، كما عدّاد ضحايا جرائم قتل النساء في لبنان، بات المكتب المذكور وسيلةً يستخدمها المعتدون لمحاولة تكميم أفواه الصحافيات والعاملات على فضح الاعتداءات والانتهاكات ضد النساء.