سراويل لِحْقْ الشْهَرْ في المغرب: “ثورة” من النساء إلى النساء

ما زلتُ أخشى هروب نقطة دمٍ خارج فوطتي الصحّية كلّما تحرّكتُ، ووصولها إلى سروالي الجينز وإفشاء دورتي الشهريّة للآخرين. طبعًا، هذا ليس خطئي، بل يعود إلى تصميم الفوط الصحّية، الذي يجعلها عاجزةً عن التأقلم مع حركات أجسادنا نحن النساء.

تُعرف الدورة الشهريّة بـ “حْقْ الشْهَرْ” في المغرب، وهي تُنطق مع إضافة كلمة “حاشاك” بعدها مباشرةً كتعبيرٍ عن الخُزي والدنس والنجاسة في المخيّلة المغربيّة الجماعيّة. ليس المغرب استثناءً لبلدان شمال إفريقيا التي تعتبر الدورة الشهريّة عيبًا، وتصنّفها ضمن المواضيع المحرّمة عن النقاش العلني، وهو ما يعود إلى الموروث الديني الذي يعتبر المرأة “نجسةُ” في فترة الحيض ويحرمها من ممارسة العبادات خلالها.

من هنا، يُمكن وضع ثقافة الدورة الشهريّة في المغرب في خانة “الحشومة”،1 فهي تتعلّق بجسد المرأة ومسائل الطهارة والوساخة. عادةً، يتمّ تجنّب الحديث في هذه المواضيع في المجتمع المغربي، وإن سُجّلَت بعض التغيّرات النسبية مؤخّرًا. في الواقع، لم تعُد “النظرة إلى الدورة الشهريّة في المغرب كما كانت عليه منذ سنوات، ولم يعد نزيف جسد المرأة أمرًا معيبًا”، وفق ما تقول الناشطة النسويّة شامة الطاهيري إيفورا.

في العام 2019، أُطلِقت حركة “حاشاك” المغربيّة بمبادرةٍ من شابّتين مغربيتَين هما ياسمين الحلو وسارة بنموسى، في محاولةٍ لتغيير النظرة المتوارثة عن الدورة الشهريّة. ركّزَت الحركة على النقص الحادّ في وصول النساء والفتيات المغربيّات إلى مُنتجات العناية الشخصيّة في الدورة الشهريّة، لاسيّما أنّ 30 في المئة من المغربيّات فقط يستفدن من إمكانيّة الحصول على هذه المُنتجات بحسب دراسةٍ أجرَتها علامة MIA للفوط الصحّية في العام 2017. تقول سارة بنموسى: “حاولنا تغيير الصورة النمطيّة عن الدورة الشهريّة من خلال التثقيف في المدارس والتشجيع على التناظر في الجامعات، كما وزّعنا سراويل الحيض لـ 300 فتاة تكفي لخمس سنوات، وهو ما سوف يريحهنّ ويُبعد عنهنّ القلق من دورتهنّ الشهريّة”. في الواقع، تعمل بنموسى بالشراكة مع منظّماتٍ غير حكوميةٍ لتنظيم حملات توعيةٍ وتوزيع سراويل الحيض على فتياتٍ يعانين من فقر الدورة الشهريّة.

ليس المغرب استثناءً لبلدان شمال إفريقيا التي تعتبر الدورة الشهريّة عيبًا، وتصنّفها ضمن المواضيع المحرّمة عن النقاش العلني، وهو ما يعود إلى الموروث الديني الذي يعتبر المرأة “نجسةُ” في فترة الحيض

بالإضافة إلى الموروث الثقافي عن فترة الحيض، لطالما أحاطَت إشكاليّاتٌ عدّةٌ بالفوط الصحّية واستهلاكها. فإذا كانت المرأة قادرةً على تحمّل تكاليف هذه المنتجات، لا تزال عمليّة شرائها تتمّ بسرّيةٍ تامة. فأصحاب المحلات والبقالات مُبرمجون على بيع الفوط الصحّية بعد تغليفها جيّدًا، كي لا يُعرف أنّ المرأة “نجسة” وفي فترة حيض. أيضًا، وعلى مدار سنواتٍ طويلة، خضعَت النساء للاستهداف التجاريّ من شركات إنتاج الفوط الصحّية التي أقنعَتنا بشراء منتجاتها ووضعها في سراويلنا الداخلية. لكنّها في أحسن الحالات، كانت تسبّب لنا التهاباتٍ وتغذّي شعورنا بعدم الراحة في أيّ حركةٍ نقوم بها طوال فترة الدورة الشهريّة.

برزَت محاولاتٌ عدّةٌ لإيجاد بدائل عن الفوط الصحيّة، لكنّ معظمها ينطوي على إشكاليةٍ ما. فكيف تريدونني أن أحتفظ بكومة قطنٍ ملفوفةٍ بشكلٍ عمودي – التامبون – في المهبل، بحجّة أنها سوف تمتصّ الدماء؟

في الواقع، إنّ عدم رواج التامبون وكؤوس الحيض في مجتمع النساء في المغرب، باعتبارهما بدائل عن الفوط الصحّية، يعود إلى عقليّةٍ برمَجَتْنا على رؤية أي وسيلةٍ قد تتجاوز عتبة الفرج بأنّها تهديدٌ للشرف المُتمثّل بالعذريّة والطهارة. وقد نجحَت تلك العقلية في تغييب هذه الخيارات بالكامل عن لائحة المنتجات التي يمكن الوصول إليها واستخدامها للاعتناء بأجسادنا.

أتت سراويل الحيض الداخليّة بجِدّةٍ لناحية النظرة الإيجابيّة إلى الجسد، فضلًا عن مساهمتها في الحفاظ على البيئة، بدليل رؤية أجسادٍ طبيعيّةٍ تبدو عليها علامات السيلوليت في إعلانات سراويل الحيض الداخليّة في المغرب، وكذلك بطونٍ غير ملتصقةٍ بالظهر، ومؤخّراتٍ غير منحوتة – كما نرى في عروض السراويل الداخليّة الأخرى. ويعود ذلك إلى ابتكار هذه السراويل لتكون مصدرًا للراحة بالدرجة الأولى.

إنّ عدم رواج التامبون وكؤوس الحيض في مجتمع النساء في المغرب، باعتبارهما بدائل عن الفوط الصحّية، يعود إلى عقليّةٍ برمَجَتْنا على رؤية أي وسيلةٍ قد تتجاوز عتبة الفرج بأنّها تهديدٌ للشرف المُتمثّل بالعذريّة والطهارة

في السنتين الأخيرتَين، ظهرَت في المغرب أكثر من علامةٍ تجاريّةٍ لسراويل الحيض الداخليّة، ولقيَت تفاعلًا من خلال التعليقات التي قرأتُها ويبرز فيها تفاؤلُ المغربيّات بهذا البديل الجديد. كما صادفتُ أكثر من مرّةٍ ردّات فعلٍ إيجابيّةً من شابّاتٍ جرّبن هذه السراويل وشجّعنَني لأكتب عنها.

تقول الناشطة النسويّة شامة الطاهيري إيفورا: “جرّبتُ سراويل حيضٍ داخليّةٍ مغربيّة الصنع، وكانت أفضل من علامةٍ فرنسيّةٍ جرّبتُها عندما كنتُ مقيمةً في فرنسا. تشعرين بالحماية طوال اليوم، كما أنّها أبعدَتنا قليلًا عن نظرة الحشومة تجاه الدورة الشهريّة”. وتضيف: “سراويل الحيض الداخليّة أشبه بعمليّةٍ استثماريّة، إذ مهما خُفِّض ثمنها تبقى خارج متناول القدرة الشرائيّة للعامّة، لكنّها استثمارٌ ناجح، إذ يمكن استخدامها لخمس سنوات”.

تُنفق المرأة المغربيّة نحو 22,000 درهم سنويًا، أي 2,245.5 دولارًا في المتوسّط، على الفوط الصحّية باعتبارها أكثر وسائل الحماية استعمالًا في المغرب، فيما يرتفع ثمن سراويل الحيض الداخلية ليبدأ من 200 درهم أي 20.4 دولارًا، وتحتاج المرأة إلى قطعتَين منه على الأقل. لذلك، حاولَت العلامات التجاريّة المختلفة المتخصّصة بإنتاج السراويل الداخليّة تقديم تخفيضاتٍ على كلّ عملية شراءٍ لأكثر من قطعةٍ واحدة.

دخلَت السراويل الداخليّة الأسواقَ للمرّة الأولى في الولايات المتحدة الأميركية في العام 2015، عندما قرّرَت ناشطاتٌ نسويّاتٌ تغيير الثقافة السائدة عن فترة الحيض، من خلال ابتكار سراويل داخليّة مكوّنة من طبقاتٍ عدّة، تضغط نزيف الدورة الشهريّة لتؤمّن الحماية للمرأة. ثمّ انتشرَت هذه السراويل في أوروبا، ولاحقًا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

في هذا السياق، حاولتُ التواصل مع علاماتٍ تجاريّةٍ تُنتج سراويل حيضٍ داخليّةٍ مغربيّة، وتجاوبَت معي اثنتان منها. تقول نور حمدوني من علامة شمسي التجاريّة: “استطَعنا تحقيق النجاح من خلال سراويل الحيض الداخليّة. وقد استقبلَت المرأة المغربيّة فكرة السراويل الداخليّة التي تحمي من تسرّب الحيض برحابة صدرٍ من أجل تغيير حالها للأفضل”.

أتت سراويل الحيض الداخليّة بجِدّةٍ لناحية النظرة الإيجابيّة إلى الجسد، فضلًا عن مساهمتها في الحفاظ على البيئة، بدليل رؤية أجسادٍ طبيعيّةٍ

أسّسَت حمدوني علامتها التجاريّة للسراويل الداخليّة في العاصمة المغربيّة الدار البيضاء منذ سنةٍ تقريبًا، واستطاعَت في خلال هذه الفترة توسيع خطوط الإنتاج ومدّها إلى مصر أيضًا. وقد اتخذَت لعلامتها شعار “لتُشعّ الحياة اليوميّة للمرأة”، وهي تسعى حاليًا إلى كسر نمطيّة النظرة تجاه الدورة الشهريّة، إذ تقول: “نحن في القرن الواحد والعشرين، ولا بدّ أن يُنظر إلى الدورة الشهريّة على أنّها مسألةٌ بيولوجيّةٌ طبيعيّةٌ جدًّا”. تُنتج علامة شمسي أحجامًا مختلفةً من السراويل الداخليّة، من مقاس XS إلى مقاس 3XL، وتعمل على المدى المتوسط لتوفير سراويل حيضٍ داخليّةٍ مناسبةٍ للفتيات اللواتي يختبرن هذه التجربة للمرّة الأولى، وكذلك للنساء اللواتي يعانين من تسرّباتٍ بعد سنّ الخمسين. وتعمل العلامة أيضًا على الوصول إلى بلدانٍ إضافيّةٍ في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

إلى ذلك، اختارَت غيثة بوعياد، الشريكة المؤسّسة لعلامةٍ مغربيّةٍ أخرى اسمها “librè”، شعار “البسي بحرّية” لمنتجاتها التي تستخدم القطن في عمليّة إنتاجها. تتحدّث بوعياد عن فكرة إنشاء العلامة: “كنا نبحث أنا وصديقتي، غيثة المرنيسي، التي هي أيضًا شريكتي في تأسيس العلامة، عن بدائل للفوط الصحّية، لأنّنا لم نعد نحتمل الحساسيّة الجلديّة التي تسبّبها والروائح البشعة التي تنتجها، فوجَدنا سراويل الحيض الداخليّة، وقرّرنا شراءها عبر متجرٍ إلكتروني من خارج المغرب. كانت بديلًا يستحقّ التجربة، وفكّرنا في تقديمها على المستوى الوطني، خصوصًا أننا دخلنا في فترة الحجر الصحّي العالمي في 2020، وكان علينا أن نوجد حلًّا يُغنينا عن الاستعانة بخدماتٍ من خارج المغرب”.

تصِف بوعياد سراويل الحيض التي تنتجها شركتها بأنّها: “شبيهة ببقية السراويل الداخليّة، ولكن تختلف عنها بتكوّنها من ثلاث طبقاتٍ بدلًا من واحدة، لتأمين الحماية من تسرّب الدم. الطبقة الأولى مكوّنةٌ من القطن المُستعمل في صناعة ملابس الأطفال ومخصّصةٌ لتأمين الحماية، والطبقة الثانية مصنوعةٌ من ألياف الخيزران الطبيعيّة التي تمتصّ الدماء ولا تسمح بتكاثر البكتيريا، والطبقة الثالثة مصنوعةٌ من قطنٍ عضوي. تتوفّر هذه السراويل في ثلاثة مستوياتٍ من التدفّق: الخفيف والمتوسّط والوفير، وبأحجامٍ عدّةٍ وأشكالٍ مُريحة، كما يمكن استخدامها لنحو 12 ساعة”.

لطالما كانت الأمور المُتعلّقة بخصوصيّة أجسادنا الأنثويّة من صنع الآلة الذكوريّة، ولهذا كانت تشبهها كثيرًا، أو تمثّلها بالأصحّ

أمّا عن فائدة سراويل الحيض الداخليّة فتقول بوعياد: “إنّها بديلٌ صحّي للمرأة والبيئة معًا، لأنّ المواد التي تُصنع منها عضويّةٌ ولا تسبّب أيّ عارضٍ من عوارض الصدمة السامّة التي قد تسبّبها طرق الحماية الأخرى، كما أنّها تقلّل إلى حدٍّ كبيرٍ من نسبة التلوّث التي ترتفع نتيجة ملء القمامة بالفوط البلاستيكيّة والتامبونات المستعصية على التحلّل”.

عملَت العلامة التجاريّة التي أسّسَتها بوعياد مع منظّماتٍ مغربيّةٍ عدّةٍ وفرع الأمم المتّحدة في المغرب لتوفير سراويل الحيض الداخليّة للفتيات والنساء في القرى والبوادي، بغية إنهاء فقر الدورة الشهريّة عند هذه الفئات، وتمكين النساء من ممارسة حياتهنّ بشكلٍ عادي في فترة الدورة الشهريّة. وعن هذا، تقول بوعياد: “هذه السراويل هي بمثابة حلٍّ للهدر المدرسي الذي يؤثّر على التلميذات في فترة دورتهنّ الشهريّة، إذ ينقطعن عن المدرسة لأنهنّ لا يستطِعن شراء فوط الحماية، وبالتالي يتوقّفن عن الدراسة”.

يمكن القول إنّ سراويل الحيض الداخليّة أشبه بثورةٍ نسويّةٍ من النساء وإلى النساء، إذ لطالما كانت الأمور المُتعلّقة بخصوصيّة أجسادنا الأنثويّة من صنع الآلة الذكوريّة، ولهذا كانت تشبهها كثيرًا، أو تمثّلها بالأصحّ. كانوا يروِّجون لفوطٍ صحّيةٍ تمتصّ سوائل زرقاء لم يسبق أن رأَينا مهابلنا تنزف مثلها. أمّا الآن، فبات باستطاعتنا ارتداء سراويل داخليّة نتصالح بها مع دورتنا الشهريّة من دون أيّ حواجز.

  • 1.يُقصد بثقافة الحشومة كلّ ما يدخل في خانة العيب والمسكوت عنه في المغرب، ومن ضمنه مواضيع الجسد والجنس.
شاركنَ المنشور