مصدر المقال موقع جيم
لعلّ التحدّي الأكبر الذي يواجهنا في القرن الحالي هو تغيّر المناخ. في منطقتنا وحدها، نواجه عددًا من القضايا المتعلّقة بالمناخ التي ظهرَت على مدى العقود الماضية، بما في ذلك ندرة المياه، وتدهور الأراضي، والظروف المناخيّة القاسية، وانعدام الأمن الغذائي والصراعات المسلّحة. يختبر الأشخاص تغيّر المناخ وآثاره بأشكالٍ وطُرُقٍ مختلفةٍ على أساس الجنس، والطبقة، والعرق والأصل القومي. وكذلك الحال بالنسبة لاستراتيجيّات التأقلم.
عند الحديث عن تغيّر المناخ، من المستحيل التغاضي عن دور أنظمة القمع القائمة في الإضرار بالبيئة، وبالتالي، إلحاق الأذى المباشر بمختلف المجتمعات وإن بدرجاتٍ غير متكافئة. على سبيل المثال، غالبًا ما تتأثر النساءُ والأفرادُ ذوو وذوات الميول الجنسية والهويّات الجندريّة غير المطابقة للسائد بتأثيرات تغيّر المناخ على نحوٍ أكبر مقارنةً بالرجال. كما أنّ الكثير من السّياسات الحكومية في المنطقة تجاه الزراعة والتنوّع البيولوجي والبيئة بشكلٍ عام، لا يمثّل الواقع ولا يعكسه فعليًا على الأرض. بالإضافة إلى ذلك، تقوم الشركات الخاصة بمصادرة الأراضي باستمرارٍ لتحقيق الأرباح وزيادة مكاسبها. ثم هناك الحروب والنزاعات المسلّحة والاحتلال، والتي تمثّل مجموعةً فريدةً من الصّراعات المتعلّقة بالبيئة، بما في ذلك تدمير البيئة الاجتماعية، ونزع ملكية الأراضي، والتلوّث واستنفاد الموارد. مع لَحظ هذه الوقائع ذات المستويات المتنوّعة وغير المتكافئة من الضّرر واللامساواة، قرّرنا إطلاق هذا الملف لنستكشِف التقاطعات بين كلٍّ من العدالة البيئية والجندر.
تدعو العدالة البيئية إلى ضمان المعاملة العادلة والمشارَكة الهادفة لجميع الناس، بغضّ النظر عن العرق، أو الجنس، أو الأصل القوميّ، أو الطبقة، في ما يتعلّق بتطوير وتطبيق القوانين والأنظمة والسّياسات البيئية وإنفاذها. وهي تُفسح بذلك المجالَ لفكرةٍ مفادها أنّ المجتمعات التي تعاني أكثر من غيرها تأثيرات تغيّر المناخ لا ينبغي أن تُترَك لتتحمّل العبء وتصارعه وحدها. بل إنّ الأنظمة القمعية والاستغلالية (الخاصّة أو العامّة) التي تسبّب ضررًا مباشرًا بالبيئة، وبالتالي تؤثّر في مصائر هذه المجتمعات، هي التي يجب أن تحمل مسؤوليتها في ذلك، وأن تخضع للمساءَلة عن أفعالها وسياساتها. وبالنظر إلى هذا التعريف، نجد أن النسوية وتقاطعاتها تشكّل جوهرَ مفهوم العدالة البيئية.
لعقودٍ عديدة، كانت النساء في طليعة النضال من أجل الماء، والغذاء، والوظائف، والأرض. وفي حين قد لا يعتبر البعض أنفسهنّ نسويّات، فإنّ أساس نضالهنّ يبقى تصميمهنّ للحصول على الحماية ذاتها من المخاطر البيئية، وتحقيق المساواة في العمل والوصول إلى الموارد، بالإضافة إلى المشاركة في تطوير السياسات والقوانين والأنظمة.
هذا هو أحد الأسباب التي تُشعِرنا بأنّ هذا الملفّ يأتي في توقيتٍ حاسم، إذ أنّه لا يعزّز الوعي بمختلف التحدّيات المناخيّة والبيئيّة التي تواجه النساء والجماعات المقصية بنيويًا فحَسب، بل يُعلي أيضًا أصوات أولئك الأكثر تضرّرًا من تغيّر المناخ، بهدف تأمين مزيدٍ من المشاركة والمساواة في التمثيل.
بناءً على المعرفة السابقة ذات الصّلة باللغة العربية، يستكشف ملفّنا التأثيرات المختلفة للتغيّر المناخي والبيئي في عددٍ من بلدان المنطقة الناطقة باللغة العربية. نبدأ بفيديو يقدّم مفهوم العدالة البيئية مع أمثلةٍ عن النسويّة البيئية في المنطقة. في المغرب، نلقي نظرةً أعمق على نضال نساء الشعوب الأصليّة من أجل حقهنّ في أراضيهنّ، وكيف تتكيّف التعاونيّات النسائيّة مع واقع تغيّر المناخ. وفي مقالٍ ثالثٍ يتضمّن أعمالًا فنّية، نستكشف كيف يؤثّر تغيّر المناخ على الأفراد ذوي وذوات الميول الجنسيّة والهويّات الجندريّة غير المطابقة للمعايير السائدة. في مادتين مختلفتين، إحداهما عن العراق والثانية عن فلسطين، نُسلّط الضوء على نضالات المجموعات التي تقودها النساء وغيرهن من النشطاء في سبيل مكافحة انعدام الأمن الغذائي في ظل النزاعات والاحتلال. أما في الأردن، فنَرى كيف تبتكر النساء طرقًا جديدةً لمكافحة تغيّر المناخ، مدرِكاتٍ تمامًا أنّ من دون الزراعة المُستدامة سوف يفقدن سُبُل عيشهنّ. وتوفّر لنا مقالةٌ أخرى من مصر لمحةً عن جهود النساء لتمهيد الطريق نحو “العدالة البيئية”. أما في لبنان، فنحلل الحركة البيئية في البلاد لاسيّما منذ عام 2015 من منظورٍ نسويٍّ بيئي. أخيرًا وليس آخرًا، نتابع رحلة امرأةٍ سوريةٍ وهي تتأمّل في تغيّر المناخ في وطنها الأم من مكان إقامتها في بلد المهجر.
نأمل أن يقدم لكنّ/م هذا الملف رُؤًى جديدةً عن حياة وصراعات الجماعات والمجتمعات المختلفة في منطقتنا. فنظرًا لاستمرار تأثيرات تغيّر المناخ ومعها النضالُ من أجل المساواة والعدالة، وطالما أنّ أنظمةُ القمع موجودةً ومستمرّة، نحن نرى في هذا الملفّ محادثةً مفتوحةً وجارِية.
لذلك ندعوكنّ/م، قارئاتنا وقرّائنا، لمشاركة تجاربكنّ/م وتأمّلاتكنّ/م الخاصّة عن هذه المسائل حتى يتسنّى لنا العمل معًا على توسيع مروحة المعارف في شأن هذه القضايا.
ملاحظة: بعض محتويات هذا الملفّ أُنجِزَ بالتعاون مع مؤسّسة هاينريش بول في بيروت والرباط.