ماجدة زوين| رصيف 22
“المرأة هي الرغبة والأمومة، وهي جنّة فوق الأرض. المرأة هي الحياة”؛ بهذه الكلمات عبّر الكاتب الجزائري كمال داود، عن تقديره للنساء في لقاء تلفزيوني مع جيزال خوري العام الماضي.
المفارقة أن عاشق النساء المدرك لقيمتهن، الأديب كمال داود، الحائز على جائزة “غونكور” الفرنسية الشهيرة، حُكم عليه بالحبس النافذ بتهمة الضرب والجرح عمداً بالسلاح الأبيض ضد زوجته السابقة!
أمثال كمال داود، كثيرون في الجزائر، ومثيلات زوجته كثيرات أيضاً، فوفقاً لإحصاءات مصالح الأمن الجزائري المثبتة، تمّ تعنيف 1،404 نساء من قبل أزواجهن سنة 2022، فيما ترى الجمعيات النسوية في الجزائر، أنّ هذه الأرقام لا تعكس الواقع، حيث أنّ عدداً هائلاً من النساء لا يُبلّغن عن المجرمين نظراً إلى قرابتهم لهنّ أو خشيةً من بطشهم.
أرقام مرعبة
“جرائم قتل النساء جريمة يتجاهلها القانون”؛ هكذا تستهل مؤسِسة الجريدة النسوية الجزائرية، أمال حجاج، حديثها إلى رصيف22، وتقول: “الصمت شريك في الجريمة، من جميع الأطراف، سواء من الجهات الرسمية والمؤسسات العمومية، أو من المجتمع وعقليات الأفراد والممارسات. منذ سنوات ونحن نندد بالظاهرة. نريد حلاً جذرياً للقضاء على العنف. لن نصل إلى حماية حقيقية إلا بالتركيز على التعليم”.
هذا وكشفت لنا منظمات نسوية أن معدّل العنف ضد النساء قد تضاعف مؤخراً خمس مرات بسبب جائحة كورونا، إذ استقبلت جمعية وسيلة للمرأة والطفل، ما يقرب من عشر مكالمات يومياً من طرف نساء معنّفات خلال الحجر الصحي. وحدّثتنا مديرة المركز قائلةً: شهدنا فترةً عصيبةً خلال وباء كوفيد19، وربما يعود ذلك إلى تفاقم الأزمة المالية وتواجد الجميع في المنازل.
وكانت منظمة العفو الدولية قد غرّدت في السياق ذاته، قائلةً إن مكالمات الاستغاثة في 2020، ازدادت بسبب العنف الأسري خلال فترات الإغلاق بسبب جائحة كورونا في الجزائر، داعيةً السلطات إلى معالجة مشكلة التمييز ضد المرأة في القانون. كما أحصت منصة فيمينسيد الجزائر، مقتل 38 امرأةً خلال سنة 2022″.
جمعيات نسوية جزائرية وحقوقيات طرحن في رسالة مفتوحة سابقة حلولاً عاجلةً وفعليةً لمناهضة العنف والوقاية من جرائم القتل، واتخاذ تدابير قانونية فعّالة ضد العنف، من قبيل “التعريف الدقيق مع مراعاة الممارسات الإجرامية لمفاهيم الاغتصاب والعنف، وسنّ أحكام تحمي الشهود من مخاطر الأعمال التعسفية الانتقامية، وإصدار قانون إطار لمكافحة العنف ضد النساء، وإلغاء المادة 326 من قانون العقوبات التي تسمح للمغتصب بالإفلات من العقاب إذا تزوج ضحيته”.
وهذا ما تراه أيضاً الشبكة الأورو-متوسطية للحقوق، إذ نشرت في تقرير سابق لها “أن قانون العقوبات الجزائري الذي عُدّل سنة 2015، يحمل في طياته جوانب من الاعتقاد المغلوط تسمح بإخضاع النساء؛ ‘فشرط العفو’ يسمح للمعتدي بأن يفلت من الملاحقة الجنائية عندما تغفر له الضحية بصفة رسمية. وعلى هذا النحو، النساء الجزائريات ضحايا القتل، يُتركن ليلاقين مصيرهن بأنفسهن شيئاً فشيئاً، نظراً إلى عدم توفر الحماية القانونية الوطنية من المعتدين المحتملين”.
وقدّمت جمعيات نسوية وفاعلون وفاعلات في المجتمع المدني، مشروع مناصرة لتجريم ظاهرة “الفيمينسيد”، أو جرائم قتل النساء في الجزائر في آذار/ مارس 2023، للاعتراف بها على أنها جريمة على أساس النوع الاجتماعي في قانون العقوبات.
القانون لا يعرف زينب
تسعى منذ سنوات جمعيات ونسويات جزائريات إلى العمل على تغيير قوانين عدة، يرين أنها مجحفة في حق النساء، على رأسها قانون الأسرة الذي يُعدّ تكريساً للهيمنة الذكورية، وانتهاكاً لمبدأ المواطنة، ومنافياً لروح الدستور الجزائري الذي يكرّس المساواة بين الجنسَين، خاصةً المادة 66 منه، والتي تنص على إسقاط حق الحضانة عن الأم المطلقة في حال تزوجت ثانيةً، ومنحه للأب وإن كان متزوجاً”.
منظمة “سيداف”، مؤسسة من أجل المساواة، رافعت من أجل إلغاء هذه المادة، وتقول الحقوقية نادية آيت زاي، إنّ أحكام القانون الحالي هي مصدر للعنف ضد المرأة، “ونعمل على تغيير هذه المادة لأن هناك نساءً تم الاعتداء عليهن من طرف الأزواج السابقين، بعد زواجهن مرةً أخرى، وهناك أزواج لا يهتمون بأطفالهم أبداً، لكن عندما تقرر المرأة الزواج مرةً ثانيةً ينتقم منها ويحرمها من أولادها، كما تعيش أخريات حياةً مليئةً بالضغط والقلق بسبب إخفائهن زواجهن مجدداً”.
إيمان، ربة بيت وأمّ لطفلين، من ضحايا المادة 66 من قانون الأسرة، إذ أخذ منها طليقها حضانة الطفل بعد زواجها. تقول لرصيف22: “دخلت في دوامة كبيرة وأُصبت بانهيار عصبي. أبي لم يسمح لي بالطعن في القرار قائلاً إنها قضية خاسرة. حتى زوجي الثاني لم يقف إلى جانبي. بعد ولادة ابني الثاني اتهمني بعدم العدل بينهما. ابني تعلّق كثيراً بأبيه وأصبح لا يهتم بي. كما أنني لاحظت عليه تصرفات غريبة تفيد بأنه تعرض للاغتصاب. توجهت إلى مركز الشرطة لتقديم شكوى، فاتهموني بأنني أسعى إلى اتهام طليقي فقط لأُسقط عنه الحضانة، وهذا القانون غير العادل حرمني من ابني؛ أصبح لا يهتم بي. والده لم يطبّق توصيات القاضية، بالعدل وعدم حرمانه من أمه”.
وان كانت المطلقة تعاني من إمكانية فقدان حضانة أولادها إذا تزوجت مرةً ثانيةً، فلا يحق للمرأة المتزوجة استخراج جواز سفر أو فتح حساب بنكي لأولادها، إلا بتوكيل من الأب: “أرى أنه من الضروري تقاسم الولاية مع الرجل. ليس عادلاً ما يحدث، هو ابني أيضاً وأريد حقوقاً كاملةً غير منقوصة”؛ تقول نجوى، وهي أمّ وناشطة نسوية.
إدانة دائمة
في محطة مهجورة للوقود، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وُجدت الشابة شيماء (19 ربيعاً)، جثةً متفحمةً في مدخل مدينة الثنية بومرداس.
شيماء تعرضت للاغتصاب والقتل من قبل متّهم سابق بالتحرش. المؤلم أنها كانت قد تقدّمت ضد الجاني بشكوى محاوله اغتصاب عام 2016، وسُجن على إثرها بالفعل، لكنه انتقم منها بعد خروجه من السجن وقتلها قبل أن يحرق جثتها!
المؤلم أكثر من الجريمة، ردود أفعال الشارع التي لم تبارح إدانتها وليس إدانته هو:
“هي مش محترمة لابسة عريان”
“علاه (ليش) خارجة في الليل؟”
و”كاش مدارتلو مقتلهاش هكذا برك” (أكيد عملت شيء لم يقتلها هكذا فقط)،
“باين مريض ولا كان مقلق”
وسط هذه الجمل كلها، تتأرجح المرأة الجزائرية بين قوانين لا تحميها، ومجتمع يبرر العنف والجريمة ضدها!