إيناس حقي| رصيف 22
طرأ على الفضاء العام السوري في السنوات اللاحقة للثورة تطور نوعي، إذ بدأ يتعمم تدريجياً الاحتفال باليوم العالمي للمرأة، بعد أن كان الثامن من آذار محتكراً من قبل النظام السوري الذي يحتفل بذكرى “ثورة الثامن من آذار” أي الانقلاب العسكري الذي أوصل حزب البعث الحاكم في سوريا إلى السلطة.
يبدو التحول إلى الاهتمام بيوم المرأة تطوراً نوعياً في السياق السوري، إلا أن مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي تركت لدي انطباعاً بأن سوء فهم قد طغى تدريجياً على المفهوم، إذ أصبح الثامن من آذار يسمى “عيد المرأة” ويقوم على معايدة النساء وإهدائهن وردة أو حلوى احتفالية، ولا بد طبعاً أن يترافق مع نكات يطلقها الرجال على وسائل التواصل الاجتماعي من نوع: “متى سيخصص عيد للرجل أيضاً؟ لماذا نحتفل بعيد المرأة والرجل هو من يحتاج للحصول على حقوقه؟”.
الحقيقة أن مناسبة اليوم العالمي للمرأة ليست عيداً، وإنما يوم خصص عالمياً من قبل الأمم المتحدة للتذكير بحقوق المرأة، وهو فرصة للتظاهر والاحتجاج على الواقع المرير الذي تعيشه معظم النساء في العالم، وهو يوم للتأكيد على ضرورة مكافحة كل أشكال العنف ضد المرأة، وللمطالبة بالمساواة في كل المجالات وفي مقدمتها المساواة في الأجور، وحماية حق المرأة في تقرير مصيرها وفي التحكم بجسدها.
دعت المنظمات النسوية الفرنسية كعادتها للتظاهر في الثامن من آذار من هذا العام، ولكن المظاهرات جاءت في ظل الجو السياسي المشحون في البلاد، وتلت يوماً تاريخياً من التظاهر والإضرابات في فرنسا ضد الإصلاح المقترح لقانون التقاعد، وأكدت المنظمات النسوية على أهمية التظاهر في يوم المرأة احتجاجاً على القانون المقترح لأن آثاره السلبية ستنعكس على النساء بشكل خاص مضيفة سبباً للأسباب المعتادة للدعوة إلى التظاهر في هذا اليوم.
تظاهرت النساء في فرنسا وفي أنحاء عديدة من العالم، ولعل المظاهرة الأبرز عالمياً كانت مظاهرة مؤلفة من حوالي عشرين امرأة خرجت في كابول الأفغانية احتجاجاً على القيود التي فرضها حكم طالبان عليهن، في نموذج نادر المثال للشجاعة، لا يوازيه إلا خروج النساء الإيرانيات على مر هذا العام في احتجاجات مستمرة ضد تقييد حرياتهن رغم تنكيل النظام الإيراني بهن ورده الوحشي.
يمر يوم المرأة العالمي على سوريا والنساء السوريات في أسوأ وضع، فقد أضيف إلى تاريخ من القهر والظلم وسنوات الثورة ومن بعدها الصراع المسلح، آثار الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا في السادس من شباط/فبراير الماضي، ففقدت العديد من النساء المأوى، ووجدن أنفسهن مع أطفالهن في العراء في درجات حرارة تحت الصفر، وتعرضن في مراكز الإيواء الطارئة للتحرش، وفقدت بعض العائلات معيلها وأصبحت المرأة مسؤولة عن العائلة وهي غير مجهزة لتحمل مسؤولية مماثلة لا بعمل ولا بشهادات دراسية، وتعرضت النساء المصابات بالإعاقة لمزيد من التمييز ضدهن في ظل الأزمة الحالية. فيما تبقى آلاف النساء قبل وبعد الزلزال في عداد المعتقلات والمختفيات قسرياً والمغيبات سواء في معتقلات الأسد أو في سجون سلطات الأمر الواقع.
رغم كل هذا الواقع الرهيب الذي تعيشه النساء في سوريا، تغلبت النساء السوريات بإقدام على الظروف، وتميزت العديد من النساء السوريات وحصدن مواقع متقدمة في العديد من المجالات لعل أبرزها لهذا العام حصول الحقوقية السورية جمانة سيف على جائزة آن كلاين لجهودها ودورها في تصنيف العنف الجنسي كسلاح حرب يستخدم بشكل منهجي ولتصنيفه قانونياً كجريمة ضد الإنسانية في الإجراءات الدولية. كما تبوأت المنظمات النسوية دوراً في الاستجابة العاجلة للزلزال، فقامت بدور إغاثي رغم أنها منظمات لا تعمل في مجال الإغاثة، وبدور سياسي من خلال إرسال نداء إلى الدول المعنية والأمم المتحدة يطالب باستجابة عاجلة، كما تشكلت مجموعات لتقديم الدعم النفسي والمساعدة والبحث ودراسة الاحتياجات بقيادة نساء ناشطات وفاعلات.
قد يخيل للمراقب الخارجي أن النساء السوريات اللواتي هربن من جحيم سوريا، ووصلن إلى دول ديمقراطية تعطيهن حقوقهن أصبحن في مأمن ووضع أفضل، لكن الإحصائيات والدراسات الأخيرة تدل على أن النساء السوريات في أوروبا ما زلن يتعرضن للضغوط الزوجية والمجتمعية وللحرمان من حقوق أساسية وأهمها تعلم لغة البلد المضيف. وفي إحصاء أخير، يذكر الدكتور أحمد جاسم الحسين (مدير مركز الهجرة واللجوء السوري في هولندا) في مقال أن خُمس جرائم قتل النساء في هولندا كانت على يد فاعل سوري، أي 128 جريمة ارتكبها سوري بذريعة الشرف من أصل 682 جريمة قتل نساء ارتكبت في هولندا في العام 2022، رغم الحماية التي يؤمنها القانون للنساء.
يوم المرأة العالمي ليس عيداً، هو يوم إعلاء الصوت والمطالبة بالعدالة والحقوق، والضغط على المجتمع من أجل المزيد من الحقوق، والمطلوب في هذا اليوم من الرجال، لا أن يساعدوا المرأة مرة في غسيل الصحون ولا أن يقدموا لها الورود بل أن ينزلوا مع النساء إلى الشوارع يداً بيد للمطالبة بمزيد من العدالة، المطلوب منهم العمل اليومي من أجل تغيير العقلية الذكورية التي تحكم حياتنا اليومية من السياق السياسي العام إلى أصغر فضاء نحتله، وبأن نبدأ بأن يصبح عبء العمل المنزلي عبئاً يقع على سكان البيت بغض النظر عن جندرهم. المطلوب من الرجال هو أن يرفعوا الظلم عن النساء ويرفضوا التمييز ضدهن في كل الأفعال والأقوال اليومية، وألا يدافعوا يوماً عن مغتصب ولا متحرش، وأن يرفضوا إيجاد مبررات للأفعال والأقوال العنيفة التي تطبق على المرأة، وأخيراً ألا يلقوا النكات على مسامعنا إن لم يجربوا يوماً واحداً معنى أن تكون ضمن الفئة الأضعف وأن تتعرض يومياً للتمييز ضدك.
درب النضال النسوي طويل وشائك، يتخلله الكثير من الآلام والنكسات والخيبات، كما تتخلله النجاحات، ويبقى لنا التفكر والتأمل في واقع النساء والعمل من أجل تغييره نحو الأفضل بكل الطرق الممكنة وبالشراكة مع الرجل.
اللوحة للفنان لؤي كيالي