المنكوبات يحضن أيضاً

جندرة المساعدات ليست أمراً ثانوياً: المنكوبات يحِضن أيضاً!

روجين غزالة| صوت

عقب الكارثة الإنسانية التي ضربت سوريا وتركيا في زلزال السادس من شباط/فبراير، بقي من استطاع النجاة من الموت بأعجوبة رهن التشرد، وانتظار مساعدات إنسانية تعلو الأصوات الداعية إلى جندرتها… احتراماً للناجيات

لم تكن المساعدات الإنسانية التي قدمها أفراد، ومبادرات مجتمعية، وجمعيات، ولاحقاً دول إلى المدن الواقعة تحت سيطرة دمشق شحيحة، لكن لعل ما فات كثراً ممن حاولوا مساعدة السوريات في هذه المحنة هو تأمين مستلزمات خاصة بالنساء، كالفوط الصحية، والملابس الداخلية. فهل غاب هذا الأمر عن الأذهان؟ أم أنه لا يُعد إلا ثانوياً؟

سامية (اسم مستعار)، وهي إحدى الناجيات من مدينة حلب، تمكث وعائلتها الآن في أحد الملاجئ المؤقتة بمنطقة صلاح الدين في مدينتها. تقول: «استيقظت كأغلب سكان حارتي على صوت الهزة التي ضربت البلاد، فأيقظت زوجي، وحضنت طفلتي، وركضنا دون وجهة محددة هاربين من صوت الجدران التي بدأت تهتز بشكل مجنون. للمصادقة، كنت على موعد يومها مع دورتي الشهرية… نجوتُ وعائلتي منه دون أن نأخذ أي شيء، فقد نجونا بأنفسنا فقط».

سامية لم تكن وحدها من نجت من الموت، فهناك معها في ملجئها العديد من السيدات والفتيات من اللاتي يحتجن مساعدات نسائية إن صح التعبير، لعدم امتلاكهن المال أولاً، ولعدم مراعاة غالبية المتبرعين جندرة مساعداتهم.

في ملجأ آخر في دمشق جهزه أفرادٌ، للمنكوبات والمنكوبين جراء الهزة، تعمل نادين ضمن إحدى الفرق التطوعية. تقول: «استوقفتني إحدى السيدات الناجيات من جبلة في اللاذقية، وقد استطاعت أن تنجو بنفسها دون عائلتها بكل أسف، لتطلب مني بخجل أن أجلب فوطاً نسائية وملابس داخلية… ذهبت بسرعة لأشتري لها على حسابي الشخصي ما طلبت، لكنني لن أستطيع أن أجلب إلى جميع السيدات ما يحتجنه، فطرحت مطلبهن على الجمعية التي قدمت بعضها، لكن بشكل شحيح كأن احتياجات النساء غير مهمة!».

في خضم الفوضى، وتسييس المساعدات الإنسانية، بقيت المناطق الشمالية من البلاد كريف حلب وإدلب دون مساعدات حتى اليوم السادس بعد الزلزال. وقال أحد الزملاء الصحافيين في إدلب، كان قد زار العديد من مراكز الإيواء، إن الناس في حاجة مأوى، وطعام، وتدفئة. وأضاف: «أنتِ تسألين عن احتياجات النساء!!.. أعتقد أنه أمر ثانوي وثانوي جداً».

مع ذلك، ثمة صيدلانية في جرمانا بدمشق كانت تبيع الفوط النسائية للجمعيات والمتبرعين بسعر زهيد جداً، وأقل بكثير من التكلفة. تقول سارة (اسم مستعار): «أنا امرأة وأعرف احتياجات النساء… ماذا سيفعلن في حال بقين دون فوط نسائية؟ فلا حمامات موجودة ولا ملابس داخلية ولا حتى لديهن ملابس بديلة… بعت العبوة الواحدة بسعر 1000 ليرة سورية، بعدما كنت أبيعها سابقاً بـ7000… لاحظت أن كل من جاؤوا يشترون أدوية أو حليباً للأطفال للمساهمة في المعونات لم يطلبوا مني فوطاً صحية، لكن عندما رأوا السعر أو أشرت إليه تشجع الكثير وأضافوا هذه الحاجيات».

وكانت قد وصلت مناطق شمال غربي البلاد أكثر من مئة قافلة للمساعدات الإنسانية من منظمات غير حكومية، وأخرى فردية، أو بأسماء عشائر من مناطق شمال شرقي سوريا خلال الأسبوع الأول بعد الزلزال، لكن لم تكن هناك أيضاً مراعاة خاصة لمتطلبات النساء. تقول شيرين سيدو، وهي إعلامية من شمال شرقي البلاد، وقد قامت على مبادرة فردية لجمع المال للمنكوبين في جنديرس: «أعتقد أن أفضل ما قد يقدمه المرء في هذه الحالات هو المال… كل من نجا من الموت لم يأخذ معه شيئاً، فهم بحاجة المال أكثر من أي شيء».

كذلك اهتمت العديد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة النسوية، بالتذكير، ومطالبة العاملين في المجال الإغاثي والإنساني أن يجندروا مساعداتهم، أو يقدموا المال في بعض الحالات. ومن شهادة كثيرين بدأ بعضهم بالفعل مراعاة حساسية هذا الموضوع، كما خفض آخرون أسعار الحاجات النسائية.

 

شاركنَ المنشور