هويدة عرفة: التحرش، ظاهرة تؤرق حياة النساء العاملات في محافظة إدلب وشمال غرب سوريا

هويدة عرفة| شبكة المرأة السورية

تواجه النساء العاملات في المنظمات الإنسانية والشأن العام في محافظة إدلب وشمال غرب سوريا، العديد من التحديات والمشاكل التي دفعت بالعديد منهن لترك العمل وعدم البوح بالتهديدات التي اعترضتهن خوفاً على حياتهن الأسرية ومن المجتمع المحيط.

وتعتبر عمليات الابتزاز والتهديد من أبرز المشكلات التي باتت هاجساً يؤرق حياة العاملات في الشأن العام، وسط غياب الاهتمام بمشاكلهن ومعاناتهن، في ظل وجود مجتمع نمطي يرفض فكرة عمل المرأة إطلاقاً.

وبداية العام الجاري، أضطرت عائشة الحسن (29عاماً)،اسم مستعار، وهي من سكان مدينة إدلب، لترك عملها في إحدى الفرق التوعوية بحقوق الطفل والمرأة، بعد أن تلقت عدة تهديدات من شخص مجهول بأرقام وحسابات وهمية، بالإضافة لتلقيها رسائل مشابهة وجدتها على باب منزلها الكائن وسط مدينة إدلب.

تقول عائشة الحسن لشبكة المرأة السورية إن الرسائل كانت تحمل تهديداً صريحاً بالقتل بتهمة “الفسق والضلال”، بالإضافة لتهديدات “بفضائح جنسية وتشويه سمعة” على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما دفعها للإنقطاع عن وظيفتها التي كانت تشغل منصب ” قائد فريق” فيها.

وأضافت أنها لم تتمكن من التعرف على هوية الشخص الذي بات يؤرق حياتها، خاصة وأنها أخفت التهديدات عن زوجها وأسرتها، خشية “الفضيحة” والنظرة الدونية التي ينظرها المجتمع المحلي للمرأة التي تواجه وتفصح عن مثل هذه الحالات في إدلب وريفها.

“أنا عندي أطفال وما بدي أخسرهم”، بهذه الكلمات تلخص عائشة حالتها النفسية الصعبة التي وصلت إليها، ويقينها من ردة فعل زوجها الذي سيتأثر بالمجتمع والشائعات مما سيقضي بطلاقها وخسارتها لأطفالها وسمعتها.

وأشارت إلى أنها باتت أمام خيارين “أحلاهما مر”، فإما أن تستمر بعملها وتواجه تلك الشائعات والتهديدات، وإما أن تحافظ على بيتها وأسرتها من الضياع، وهو ما تمسكت به بعد أن آثرت خسارة عملها ووظيفتها.

ورجحت عائشة أن تكون التهديدات لأحد الأشخاص الذين ينتمون للفصائل الإسلامية التي تحارب المرأة وحقوقها في إدلب، لما حملته رسائل التهديد من أفكار متشددة مشابهة للأفكار التي تنتهجها هذه الفصائل، خاصة بعد أن كثف الفريق الذي تعمل به حملات التوعية التي تستهدف نساء المخيمات من خلال تعريفهن بحقوقهن، لتكون ضحية الابتزاز والتهديد.

غياب القوانين الرادعة وأساليب التوعية، وندرة الوسائل التي يمكن أن تلجأ إليها النساء في مثل هذه الحالات، أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة التي يستخدمها ضعفاء النفوس للوصول إلى أهدافهم الدنيئة والمنحرفة.

بدورها لم تكن إسلام السليمان (32عاماً) وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة أطمة الحدودية شمال إدلب، أفضل حالاً من سابقتها حيث تعرضت هي الأخرى، لعمليات ابتزاز جنسي وتهديد أفضى بخسارتها لوظيفتها في إحدى المؤسسات الإنسانية.

تقول إسلام لشبكة المرأة إنها تلقت تهديداً وابتزازاً باستخدام صورة مركبة لها مع مديرها بالعمل، مقابل إقامة علاقة عاطفية مع مرسل التهديد لعدم نشر الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو إرسالها لزوجها.

وأضافت أنها وقعت تحت ضغوطات نفسية واجتماعية صعبة جعلتها تفكر بالإنتحار، مع التهديدات المستمرة التي كانت تتلقاها، مما دفعها لمصارحة زوجها بتفاصيل التهديد المرسل والابتزاز.

وأشارت إلى أن زوجها أجبرها بعد معرفته بتفاصيل التهديد المرسل، على ترك عملها وحذف جميع حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، لإغلاق جميع وسائل الاتصال في وجه صاحب التهديد الذي تسبب في خسارتها لعملها ومشاكل وحالة عدم تفاهم مع زوجها.

“أشخاص دنيئين ومجتمع لا يرحم”، بهذه الكلمات تعبر إسلام عن حزنها وألمها لما آل إليه حالها بعد خسارتها لعملها، لمجرد صورة مفبركة قضت على جميع آمالها وطموحاتها بالنجاح في عملها وأن تكون عضواً منتجاً وفاعلاً في المجتمع الذكوري الذي ينتظر مثل هذه القضايا لتجريد المرأة من “شرفها وعفتها”.

وبحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، فإن ما لا يقل عن 40 إمرأة من النساء العاملات والناشطات في المجتمع وقعن ضحية التهديدات، والاعتداءات الجسدية والمعنوية، في محافظة إدلب وشمال غرب سوريا، بين الفترة الممتدة بين آذار 2021 حتى آذار 2022.

وأكد التقرير أن هذه الانتهاكات تسبَّبت في ردع النساء عن المشاركة الفاعلة في مختلف المجالات، السياسية، الإعلامية، وما يتعلق بحرية الرأي والتعبير، والنشر على صفحات التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص فيما يتصل بنقد الانتهاكات بحق المرأة.

بالمقابل، لم تخضع منى الصبيح (28 عاماً)، وهي نازحة مقيمة في مدينة إدلب، لمحاولات زميلها في المؤسسة الطبية التي يعملان بها التحرش بها، حيث واجهت الموقف بكثير من الشجاعة والإصرار.

تقول منى ل”شبكة المرأة السورية” إنها قدمت شكوى رسمية لإدارة المشفى التي افتتحت تحقيقاً بالحادثة، ليتبين محاولة الشاب ذاته التحرش بأكثر من موظفة وعاملة، حيث تم اتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه وفصلة من المؤسسة الطبية وملاحقته قضائياً.

وأضافت أنها وبالرغم من كشف الجاني أمام القضاء، إلا أنها واجهت نظرات دونية من المجتمع المحيط، وضغوطات أهلها المستمرة لترك الوظيفة والإلتزام بالمنزل خشية “كلام الناس الذي لا يرحم”.

وأشارت إلى أن الظروف المحيطة بالمرأة تلزمها الصمت تجاه أي انتهاك يحصل لها، فلا حقوق وقوانين تضمن سلامتها النفسية والجسدية والاجتماعية، وهو ما يجعل استغلالها أمراً سهلاً واعتيادياً.

من جهتها تؤكد سميرة النحاس (35عاماً)، وهي ناشطة نسوية في مجال تمكين المرأة من مدينة إدلب، انتشار التحرش والمضايقات للنساء والعاملات اللواتي يجبرن على إخفاء التحرش نتيجة تسامح المجتمع  والقانون.

وأضافت أنه في بعض الأحيان تتعرض النساء للتحرش في العمل ويتسترن عن ذلك ويفضلن عدم إبلاغ الأسرة والقضاء  بسبب بعض الاعتقادات الثقافية، حيث تؤدي هذه الظاهرة إلى جرأة المتحرشين على تكرار التحرش والمضايقات مرة أخرى.

وبحسب الناشطة فإن تفعيل مراكز دعم النساء وتمكين المرأة والتوعية المجتمعية بضرورة التعامل مع مثل هذه الظواهر من شأنها الحد بشكل كبير من هذه الآفة، مشيرةً إلى ضرورة وضع قوانين صارمة تدعم حق المرأة في البوح بالتهديدات التي تعترضها سواءً في العمل أو الشارع، أو حتى في المنزل.

خاص بـ”شبكة المرأة السورية”

 

شاركنَ المنشور