هدى أبو نبوت: الساخر المبكي #أجمل_ما_قيل_في_الجندر

 

“أجمل ما قيل في الجندر”

هو هاشتاج أو وسم أطلقته ناشطة حقوقية سورية من خلال صفحتها الشخصية على الفيس بوك في محاولة فردية لتصحيح المفاهيم وردم الهوة بين المجتمع والنشاط النسوي السوري الذي يتم شيطنته بشكل ممنهج، من خلال ربط مفهوم الجندر بمجموعة من التهم الجاهزة كمحاربة المجتمع والعادات والتقاليد وهدم دعائم الأسرة والدعوة للانحلال و” الفلتان” في حال حصلت النساء على حقوقهن المشروعة في المجتمع.

يبدو للوهلة الأولى عند النظر لهذا الهاشتاغ أنها دعوة للمشاركة في تعريف مفهوم الجندر أو لتصحيح الأفكار المشوهة والمغلوطة في المجتمع السوري حول أنه ثقافة غربية دخيلة على مجتمعنا ولا يتوافق مع عاداتنا وتقاليدنا، وهو بالفعل كذلك، لكن هذه المرة من خلال رؤية تطبيقات التمييز الجندري في حياتنا، من خلال الأمثلة الشعبية والممارسات اليومية التميزية، لكن بطريقة ساخرة غالباً يحتار متابعوها بين وضع وجه ضاحك أو وجه باكي عليها، فالهاشتاغ يحتمل الاثنين معاً، انه الساخر المبكي حتى التفجع.  

وحتى نحقق الهدف الحقيقي من الحملة واجب علينا أن نعرف ماهو “الجندر” والذي تم تعريبه بشكل غير دقيق” للنوع الإجتماعي”. يمكننا أن نلخص الجندر بأنه الأدوار الاجتماعية السائدة للنساء والرجال في المجتمع بالاستناد إلى هوياتهم الجنسية( كذكر وأنثى)،بالاعتماد على الفروقات الفيزيولوجية بين الجنسين، ثم تحديد معايير السلطة والقوة التي انعكست على كل مناحي الحياة باستحواذ(الذكر) القوي على مراكز التحكم بكل ما حوله بما فيها (الأنثى).

ومن هنا تم تحديد الأدوار في المجتمع، الرجل خارج المنزل والمرأة داخله، وتنحصر أدوارها بالحياة كأداة جنسية وإنجابية، ومهمة رعوية للأطفال والأسرة وللإبقاء على هذه المعادلة قائمة كان ولابد من وضع محددات تبرر استمرارها، فوصمت المرأة بقلة العقل وفائض العاطفة مما يجعلها غير قادرة على القيام بمهام خارج صورتها النمطية، وكبلت بحمولة شرف العائلة ومطالبتها دوما وأبدا بالحفاظ عليه والخوف من فقدان حياتها في حال فشلت بالمهمة.

وبالعودة للهاشتاغ الذي تداولته ناشطات نسويات سوريات على صفحاتهن الشخصية على الفيس بوك في محاولة لتسليط الضوء بطريقة ساخرة وتهكمية على هذا الخلل في المجتمع والذي يترك النساء في مرتبة أدنى من الرجال لأسباب اجتماعيه ويحرم النساء من أبسط حقوقهن بالحياة وتقرير المصير والمساواة بالعمل والتعليم …الخ، اللافت هذه المرة هو تداول الهاشتاغ بسرعة غير مسبوقة ومشاركة النساء على اختلاف أعمارهن ومستوياتهن الاجتماعية  بعفوية عبارات أو أمثال شعبية يسمعنها يوميا خلال حياتهن لا أكثر ولا أقل، حيث استطعن أن يحولن صفحات الفيس بوك السورية ليومين متتالين لأجمل ماقيل بالجندر، فاختلطت عبارات التهكم بالحقيقية المرة ، بالظلم وعدم الانصاف، بالحقوق المهدورة والتمييز بين الجنسين، بجرائم الشرف والحرمان من الإرث بالاستخفاف بدور النساء بالحياة وبالتسلط على حيواتهن بالزواج والطلاق والحكم عليهن في حال تأخرن بالزواج، بالتحكم بأجسادهن وحتى ألوان ملابسهن، بأصوات ضحكاتهن وطريقة جلوسهن ولأن معاناة النساء في المجتمعات العربية واحدة تخطى الهاشتاغ المحلي السوري وانتقل بكل عفوية للمحيط العربي.

ربما هذه الحقيقة التي جاءت على صيغة هاشتاغ تهكمي  وضعت الكثير أمام استحقاق أخلاقي، لم يستطع كثر من الرجال انكاره، فلاقى مشاركة حتى من بعضهم، ينظر لهذه المشاركة كبارقة أمل بأن الرسالة التي نريد أن تصل وصلت بشكل جزئي، حيث تساءل كثيرون حول سبب الحملة وأصبح لديهم فضول لمعرفة ما هو المقصود بالجندر ولماذا تهتم النسويات به وماهي حقيقة المساواة الجندرية التي يسخر أغلبهم منها عادة ويصغروا من جهد ومشاريع المنظمات في تمكين النساء اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، ولا نقلل من هذا التفاعل الإيجابي الذي يصغر الهوة فعلا ويعطينا مؤشرات من الممكن استثمارها في نضالنا الطويل بالعمل سويا جنبا إلى جنب على درب الحق والعدالة والمساواة للمجتمع ككل وليس كما يتم الترويج بأن النسويات على عداء متأصل مع الرجل .

 ولكن على الصعيد الأخر هناك بالجهة الأخرى الآخرون الرافضون لأي عمل يحرك مياه التقاليد الراسخة بعلاقة التبعية والإصرار على التصدق بالحقوق على مقاس الجنس، فلاقى منهم سخرية من (الجندر) وانكروا أن كل عذابات النساء نتيجة التمييز الجندري الواقع عليهن، واستخفوا بهذا التضامن الفيسبوكي الذي غزى الجدار الأزرق ليومين في محاولة للتذكير بأنهن بشر لهن نفس الحقوق وعليهن ذات الواجبات وتلك الحقوق ليست هبة من أحد بل هي أبسط حقوق الإنسان التي كفلتها كل الشرائع السماوية ومواثيق حقوق الإنسان، لذلك الطريق مازال طويل وشائك  وأن #اجمل_ما_قيل_في_الجندر هو محطة واحدة فيه لا أكثر. 

هدى أبو نبوت : صحفية وناشطة نسوية سورية

 

 

شاركنَ المنشور