مية الرحبي – خاص مساواة | كلما تردد اسم السودان أمامنا، لاح في أذهاننا صورة الكنداكة السوادنية التي غدت رمزاً للثورة وهي تقف شامخة بردائها الأبيض، تغني للثورة وتستنهض أرواح الجدات المناضلات لتحثّ جيل الشباب وجيل المستقبل على الوقوف ضد الظلم والاستبداد والقهر، تلك الصورة التي مثلتها الثائرة السودانية، كما في كل الثورات العربية التي خرجت فيها النساء جنباً إلى جنب في مظاهرات عمّت أنحاء البلدان العربية منادية بالحرية وسقوط الاستبداد، أخفت وراءها كما في كل الدول العربية الثائرة صورة مقيتة مظلمة، لم تفاجئنا تماماً، نحن النسويات في المنطقة العربية، اللاتي تعودن على خذلان رفاقهن الرجال، بعد فترة الغليان الشعبي، ليعود كل إلى مواقعه السابقة حيث النظام الاستبدادي الذكوري هو الفصل والحكم في نهاية المطاف.
لقد تعودنا على الخذلان منذ فترة الاستعمار العثماني، إذ وقفت يومها النساء إلى جانب الرجال في النضال للخلاص منه ودفع البلاد نحو الحرية والاستقلال والتقدم والخلاص من عقود الظلام والجهالة، تلا ذلك عهود النضال ضد الاستعمار الغربي بكافة أشكاله، ورغم أن النساء في الدول العربية كن قد وعين الدرس سابقاً، إلا أنهن وقفن أيضاً مع الرجال في النضال ضد الاستعمار وبذلن الكثير للوصول بالبلاد إلى عتبة الاستقلال، لقناعتهن أن لا نهوض لشعوب مستعبدة، وأن الحرية هي طريق التقدم، ولم يخب ظنهن، إذ ما أن استقلت البلاد حتى تم تنحية المناضلات عن مراكز صنع القرار واستبدالهن من قبل الأنظمة العسكرية المستبدة بصور أنثوية كواجهة تزيينية أمام الرأي العام العالمي، حفاظاً على المظهر “الحضاري” لتلك الأنظمة.
لم تتوقع النساء في المنطقة العربية أن تجرّ عليهن حتى ثورات الربيع العربي خيبات متلاحقة بعد أن شاركن بها مشاركة فاعلة، فعدا عن تكالب قوى العالم كله لإفشال تلك الثورات واستعادة الحكومات المستبدة، كونها أسهل القياد من قبل القوى الخارجية المسيطرة، من حكومات ديمقراطية تخدم شعوب المنطقة، إلا أن الخذلان الأكبر كان من قوى الثورة التي حيدّت النساء، وجعلت مطالبهن في آخر سلم أولوياتها، ما شجع الأنظمة الاستبدادية الذكورية ليس فقط على الإبقاء على القوانين المجحفة بحق النساء، بل على التساهل أكثر فأكثر على مرتكبي الجرائم بحق النساء، فتصاعدت مؤخراً وتيرة تلك الجرائم، حتى بتنا نسمع يومياً بجريمة أو أكثر، كما عادت إلى الواجهة ممارسات قانونية متخلفة تنتهك خصوصية أجساد النساء، ووصل الأمر في تونس إلى حد اتهام قاضية بالفساد الأخلاقي من قبل رموز الدولة والتشهير بها بنشر نتيجة ما سمي بفحص العذرية على وسائل التواصل الاجتماعي في خطوة تعيدنا عشرات السنين إلى الوراء، ليكتمل السقوط الأخلاقي والحضاري بتعريض جثة الفتاة التي ذبحت علناً إلى فحص عذرية أظهر عذريتها، وإن لم ِيكن كذلك لكانت جريمة قتلها مبررة، أم ماذا؟
كناّ نعتقد أو نأمل أو نقنع أنفسنا بأن مصير ثورة السودان سيكون مختلفاً وإن قليلاً، فقد كان اليأس قد استبد بنا حتى النخاع عند قيام الثورة السودانية التي انعشت قلوبنا وآمالنا، وشاهدنا نساء الثورة وكنداكاتها يقفن شامخات يرددن أغاني الثورة ويقدن الحراك ضد الاستبداد، وخيل إلينا أن الثورة السودانية انتصرت رغم كل التعقيدات التي صاحبت المشهد السوداني حتى اليوم، لكن الصاعقة التي لم نتوقع، أن كل تلك المشاركة الفاعلة للمرأة السودانية لم تغير حرفاً في القوانين المميزة ضدها، لنفاجأ اليوم بعريضة من زميلات سودانيات، يحاولن الدفاع بها عن امرأة متهمة بالزنا وقد حُكم عليها بالرجم حتى الموت.
الرجم؟! اليوم؟! في السودان؟! لم نصدق بداية، وطلبنا من زميلاتنا السودانيات أن يثبتن لنا ما لم نستطع تصديقه، فأرسلن لنا نسخة عن قانون العقوبات السوداني الذي تضمن في مادته 146:
عقوبة الزنا ( المادة 146)
-
من يرتكب جريمة الزنا يعاقب:
(أ) بالإعدام رجماً إذا كان محصناً.
(ب) بالجلد مئة جلدة إذا كان غير محصن.
- يجوز أن يعاقب غير المحصن الذكر، بالإضافة إلى الجلد بالتغريب لمدة سنة.
(3) يقصد بالإحصان قيام الزوجية الصحيحة وقت ارتكاب الزنا على أن يكون قد تم فيها الدخول.
(4) من يرتكب جريمة الزنا في الولايات الجنوبية، يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز سنة أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً، فإذا كان الجاني متزوجاً فبالسجن مدة لا تجاوز ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً.
إذاً هذا حقيقي، لا يصدق، ولا يمكن القول إنها مادة منسيّة اليوم ولا تطبق، بل إن حكماً صدر اليوم بالرجم على امرأة سودانية، أي أن هذا الحكم الهمجي لازال مطبقاً اليوم في السودان الثورة، السودان الذي ألهبتنا نساؤها حماساً وأنعشت قلوبنا بإمكانية التغيير.
ليس لدينا رفاهية الصمت أو اللامبالاة، هي دعوة لكل النسويات في العالم ليس فقط لحماية امرأة واحدة من مصير وحشي لايمكن وصف بشاعته، بل هي دعوة للمطالبة بأبسط حقوق النساء في منطقتنا: حق الحياة.
وهو دعوة أيضاً للنضال معاً ضد قوانين الأحوال الشخصية وجميع القوانين الأخرى المجحفة والمميزة ضد المرأة في كل الدول العربية، والضغط من أجل إزالة تحفظاتها على اتفاقية السيداو وتغيير دساتيرها وقوانينها بما يضمن حقوق النساء وأولها حق الحياة،
وأولى خطوات هذا النضال هو بنشر العريضة المرفقة والتوقيع عليها.
للتوقيع على العريضة: https://chng.it/QQNkhpVk