إعداد: فرح يوسف وهدى أبو نبوت
بيت النرجس
عقد (بيت النرجس*، مجموعة ورشة نسوية) في السادس من أيلول/ سبتمبر جلسة حوارية مع نادية محمود، عضوة مؤسسة في “تحالف أمان النسوي” في العراق.
جاءت الجلسة بهدف مناقشة التحديات التي تواجهها النساء العراقيات في ظل مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 والصادر عام 1959، والذي يهدد المكاسب التي حققتها النساء العراقيات على مدى العقود الماضية. تناولت نادية في حديثها مسيرتها الطويلة في النشاط النسوي الممتدة لأكثر من 35 عاماً، بدءاً من كردستان العراق وصولاً إلى بريطانيا، ثم عودتها إلى العراق لتأسيس “تحالف أمان” كحركة نسوية مستقلة. تطرقت أيضاً إلى أهمية بناء حركة نسوية عابرة للحدود الإقليمية، مشددة على ضرورة التشبيك مع النسويات في المنطقة لمواجهة التحديات المشتركة، وخاصة فيما يتعلق بالحفاظ على حقوق النساء والتصدي للمحاولات التي تسعى للحد منها.
صدر قانون الأحوال الشخصية في العراق عام 1959، وكان يُعد حينها واحداً من أفضل القوانين في المنطقة، إذ اعتمد على ما هو أكثر ملاءمة من المذاهب والطوائف الإسلامية فيما يخص حقوق النساء. فعلى سبيل المثال، إذا كان هناك خلاف بين المذاهب حول الحد الأدنى لسن الزواج، إذ تقول إحدى الطوائف بأنه يجب أن يكون تسع سنوات بينما أخرى تحدده بثمانية عشر عاماً، اختير العمر الأعلى (18 عاماً) كونه الأكثر توافقاً مع المبادئ المدنية الحديثة. وهكذا، استند القانون على أفضل ما ورد في الشريعة ليتناسب مع حاجات المجتمع.
وقد واجه القانون معارضة شديدة من قبل المرجعية الشيعية منذ تاريخ صدوره، حيث كان المرجع الشيعي الرئيسي، محسن الحكيم، من أشد المعارضين له. قبل إقرار القانون، كانت قضايا الأحوال الشخصية تُحل في المحاكم الشرعية بإشراف رجال الدين، وتغطي مسائل مثل الزواج والطلاق والنفقة وحضانة الأطفال والإرث. ولكن مع إصدار هذا القانون، أصبحت هذه القضايا تُدار ضمن نطاق الدولة المدنية، مما أثار حفيظة المرجعية الدينية.
بعد سقوط النظام عام 2003 ووصول الأحزاب الشيعية إلى السلطة، طرحت تلك الأحزاب بعد ثمانية أشهر فقط من تسلمها الحكم مقترحًا يلغي قانون الأحوال الشخصية رقم 188، ويستبدله بالشريعة الإسلامية، وذلك من خلال مقترح لقرار رقم 137. ولكن هذا المقترح قوبل بمعارضة واسعة جداً، مما اضطرهم إلى التراجع عنه في تلك الفترة.
في عام 2005، عند صياغة الدستور العراقي الجديد، أعادت الأحزاب الشيعية المحاولة من خلال المادة 41 من الدستور، التي تشير إلى حق الأفراد في العودة إلى مذاهبهم في مسائل الأحوال الشخصية، مما يعيد المرجعية الدينية والمذاهب كمرجع رئيسي في هذه القضايا. ورغم ذلك، ظلت المادة 41 من المواد الخلافية، ولكن تم تمريرها ضمن الدستور.
في عام 2014، طرحت الأحزاب الإسلامية الشيعية مرة أخرى مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري، الذي يهدف إلى استبدال القانون النافذ بقانون مستمد من الشريعة الشيعية، إلا أن هذا المشروع أيضاً واجه معارضة قوية، ولم يتم تمريره. فقد أثار في حينه غضباً كبيراً في الشارع العراقي، وخاصة عند منظمات المجتمع المدني والمنظمات النسوية. أحد أسباب الغضب يعود إلى تبريرات السياسيين الذين قدموا المشروع، إذ أكدوا على أن سن الزواج حسب هذا القانون قد يكون تسع سنوات مما أثار جدلاً واسعاً. على سبيل المثال، سُئل وزير العدل آنذاك ما إذا كان يوافق على زواج ابنته في سن التاسعة، فأجاب بالنفي، مؤكدًا أن القرار هو للمجتمع الذي يمكنه أن يختار تطبيق هذا القانون أو عدمه، مما جعل الناس يشعرون أن القانون يعطي الشرعية لاستغلال الأطفال.
وبعد فشل محاولاتهم السابقة، اعتمدت الأحزاب استراتيجية جديدة تقوم على تعديل مواد القانون واحدة تلو الأخرى بدلاً من تغييره بالكامل. فمثلاً، سعوا إلى تعديل المادة 57 المتعلقة بحضانة الأطفال، والآن يسعون إلى تعديل المادة الثانية من القانون، مستمرين في محاولاتهم لتفكيك القانون الحالي تدريجيًا.
يُعتبر القانون الحالي، رغم أنه ليس مثاليًا، أفضل بكثير من التعديلات المقترحة التي تسعى إلى تقويض حقوق النساء. القوانين التي تُقترح اليوم، مثل القانون الجعفري، تعيدنا إلى الخلف، وتعيد النساء العراقيات إلى فترة تاريخية تتسم بالقيود الاجتماعية والدينية.
لا بد من القول، بأن ممثلي التيار الاسلامي الشيعي في البرلمان العراقي الذي قدموا مشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية، لم يقدموا أية مدونة يذكروا فيها ما هي التعديلات التي ستجري على القانون. فمشروعهم في التعديل ينصّ على أن الوقف الشيعي والوقف السني سيقدمان مدونات شرعية لكلا الطائفتين. لذلك، ما تسرب من التصريحات، ومن مشروع القرار، وما يمكن فهمه من خلال المحاولات السابقة لتعديل قانون الاحوال الشخصية، فإن القضايا الرئيسة التي يطرحها التعديل الحالي هي كما يلي:
سن الزواج. القانون الحالي يحدد سن الزواج بثمانية عشر عاماً، مع إمكانية الزواج في سن أقل في حالات استثنائية وبموافقة ولي الأمر. في المقابل، لم يحدد التعديل المقترح سنًا معينًا بعد، ولكن استناداً إلى الشريعة الإسلامية الشيعية، هناك فتاوى تسمح بالزواج في سن التاسعة، وقد صرح بعض أعضاء البرلمان الذين قدموا المشروع بأنهم قد يقبلون بتحديد السن عند 14 عامًا تحت ضغوط معينة، ولكن لا يزال هناك غموض حول السن النهائي الذي سيتم تحديده. السماح وفق التعديل الجديد، بزواج الفتيات في سن التاسعة، اعتبره الكثيرون استغلالًا للأطفال. بينما يحاول البعض الدفاع عن هذا القانون بحجة أن المجتمع حر في تطبيقه أو عدمه، إلا أن المعارضين يرون أنه يشكل تهديداً واضحاً لحقوق الطفل ويشرع استغلالهم. النقطة الأساسية في هذا التعديل كانت اعتبار بلوغ الفتاة عند بدء الدورة الشهرية أو النضوج الجنسي، بغض النظر عن مدى نضجها العقلي أو قدرتها على اتخاذ قرارات مصيرية مثل الزواج. هذا تهديد لحقوق الفتيات.
التسجيل في محاكم الدولة: يشترط القانون الحالي تسجيل الزواج في المحاكم الرسمية للدولة، وأي عقد يتم خارج هذه المحاكم يعتبر غير قانوني، وتُفرض غرامات مالية على من لا يسجل زواجه رسمياً. يسعى التعديل المقترح إلى منح رجال الدين والمحاكم الشرعية صلاحية عقد الزواج دون الحاجة إلى تسجيله فوراً في المحاكم الرسمية، مما يعيد البلاد إلى ما قبل عام 1959، حينما كانت المحاكم الشرعية هي التي تدير الأمور. تُعتبر هذه المسألة مشكلة كبرى، فالتعديل سوف يسمح للرجال بالتهرب من مسؤولية تسجيل الزواج، مما قد يؤدي إلى صعوبات للنساء في حالة الطلاق أو في إثبات نسب الأطفال. وقد يتيح هذا القانون للرجال التهرب من مسؤولياتهم تجاه الأسرة، ويزيد من تعقيدات الزواج غير المسجل، ويتسبب في مشاكل قانونية تتعلق بحقوق النساء وأطفالهن.
واحدية أو تعددية الزوجات: ينص القانون الحالي على أنه يجب أن يحصل الزوج على موافقة الزوجة الأولى إن رغب الزوج في الزواج بأخرى. يزيل التعديل الجديد هذا الشرط، ويعتبر أن تعدد الزوجات هو حق ديني للرجل ولا ينبغي وضع أي قيود عليه. كما أن القانون الحالي في العراق لا يعترف بزواج المتعة أو الزواج المنقطع، بينما التعديل الجديد يسمح بهما، مما يثير رفضاً اجتماعياً واسعاً، حتى بين من يدافعون عن تعدد الزوجات، إذ لا يقبلون أن تدخل قريباتهم في مثل هذه العلاقات.
حضانة الاطفال: فيما يتعلق بحضانة الأطفال، ينص القانون الحالي على أن المرأة المطلقة لا تُحرم من أطفالها حتى لو تزوجت مرة أخرى، ويُمنح الطفل حق اختيار البقاء مع الأم أو الأب عند بلوغه سن 15. التعديل المقترح يفرض أن تُسحب الحضانة من المرأة عند بلوغ الطفل سن السبع سنوات، أما إذا تزوجت، فان الحضانة تنقل مباشرة للأب، على أن يكون عمر الطفل قد بلغ الثانية فما فوق، ويُعطى الحق للأب أو الجد من جهة الأب لحضانة الطفل. يثير هذا المقترح مخاوف كبيرة بشأن قدرة الجد المسن على رعاية الأطفال بشكل فعّال.
النفقة على الزوجة والأطفال: بالنسبة لنفقة الزوجة، يضمن القانون الحالي لها حق النفقة حتى لو كانت في بيت أهلها ما دامت مرتبطة بعلاقة زوجية. ويشترط التعديل حصول الزوجة على النفقة فقط إذا كانت تخضع لرغبات الزوج وتقدم “الاستمتاع”، وإلا فإن الرجل غير ملزم بالإنفاق عليها. النقطة الأساسية هنا تتعلق بتحويل الزواج من مؤسسة قائمة على التكافل والمشاركة إلى علاقة مبنية على استمتاع الرجل مقابل المال. يشترط التعديل الجديد استمتاع الزوج ليكون ملزماً بدفع النفقة، وهو شرط لم يكن موجوداً في القانون الحالي. النفقة: وفق التعديل المقترح لا يمنح أي حق بالنفقة للمرأة المطلقة، بل لديها فقط الحصول على مؤخر الزواج، أما النفقة فهي للاطفال فقط.
أثار القانون الجعفري المقترح موجة من الغضب والرفض في الشارع العراقي، خاصة في أوساط المنظمات النسوية والمجتمع المدني. ويهدد بتمزيق النسيج الاجتماعي في العراق، ويعتبره الكثيرون خطوة إلى الوراء نحو القضاء على الدولة المدنية.
وقد عقد (بيت النرجس، مجموعة ورشة نسوية) جلسة ثانية في 13 أيلول/سبتمبر 2024 لمناقشة سبل تقديم الدعم والمساندة للنساء العراقيات.
افتتحت رحاب منى شاكر الجلسة بالتأكيد على محاور النقاش التي ركزت على ما يمكن أن نقدمه من دعم للعراقيات في رفضهن لتعديل القانون، وما يمكن تعلمه من تجارب النسويات في دول عربية أخرى.
ناقشت الجلسة التفاصيل المتعلقة بتعديل قانون الأحوال الشخصية، حيث أشارت الناشطة العراقية نادية محمود إلى الصراع الذي يدور حول القانون، والتداخلات بين القوى السياسية والمجتمعية الداعمة والمعارضة له. كما تطرقت إلى الاتهامات التي يوجهها رجال الدين إلى الناشطات، بما في ذلك التحريض ضدهن، وحتى التهديدب الاغتيالات والاعتقالات التي تعرضت لها بعض الناشطات والمحاميات. ستكون المرحلة القادمة صعبة على الناشطات النسويات، خاصة البارزات في مواجهة التعديلات. لذلك، ينبغي التركيز على تطوير استراتيجيات دعم تستند إلى التحالفات المحلية والدولية، ومضاعفة الجهود لتعزيز حماية النساء العراقيات من الحصار الذي يواجه حراكهن.
فيما يلي توصيات عملية لدعم نضال الناشطات العراقيات ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية من أجل التعاطي مع التحديات المستقبلية بآليات وأدوات فعالة:
- تحويل القضية إلى قضية إنسانية تتجاوز حدود العراق: رغم أن التعديلات تبدو قضية محلية، فإن جوهرها يمسّ الإنسانية والطفولة بشكل خاص. الوقوف ضد القانون هو مسؤولية جماعية لمنع تقنين زواج القاصرات، مع التركيز على ضرورة تشريع قوانين تحمي حقوق الأطفال وتضمن لهم التعليم والمستقبل الآمن.
- استخدام وسائل الإعلام لتوسيع نطاق القضية: ينبغي تحويل هذه القضية إلى محور إعلامي أساسي، عبر نشرها في جميع وسائل الإعلام، وإطلاق حملات على منصات التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على مخاطر تمرير التعديلات. يمكن أن يشمل ذلك التواصل مع وسائل الإعلام العالمية لتعزيز الوعي حول القضية.
- التواصل مع البرلمان العراقي والسفارات العراقية: من خلال رسائل مفتوحة تندد بالتعديلات المقترحة، يجب التأكيد على حقوق الأطفال والتذكير بالاتفاقيات الدولية لحقوق الطفل، مثل حقهم في التعليم وحمايتهم من الأضرار النفسية والجسدية الناجمة عن تزويج القاصرات.
- الضغط الدولي عبر المنظمات العالمية: يجب التواصل مع المنظمات الدولية، مثل اليونيسف، وهيومن رايتس ووتش، والأمم المتحدة، لتذكيرهم بمسؤولياتهم في حماية حقوق النساء والأطفال في العراق، والضغط على الحكومة العراقية للتراجع عن هذه التعديلات.
- الاستناد إلى القرار 1325: بما أن العراق تبنى خطة وطنية لتطبيق القرار 1325 حول حماية النساء في النزاعات، فإن التعديلات المقترحة تتناقض مع هذا القرار. لذلك، يجب استغلال كل وسائل الضغط المتاحة عبر الأمم المتحدة لضمان التزام العراق بوعوده الدولية.
- إطلاق حملات توعوية وطنية ودولية حول الأضرار التي ستلحق بالمجتمع العراقي إذا تم تمرير هذه التعديلات. التعاون مع رجال الدين، السياسيين، والمنظمات المدنية يمكن أن يساعد في بناء تحالف واسع لدعم الناشطات والضغط على صناع القرار.
- إنتاج محتوى إعلامي من قبل الكاتبات والصحفيات: مشاركة الكاتبات والصحفيات في إنتاج مواد مكتوبة أو مرئية تسلط الضوء على خطورة هذه التعديلات هو أمر ضروري. نشر هذه المواد في منصات إعلامية واسعة الانتشار سيساهم في رفع الوعي العام في الدول العربية حول تداعيات هذه التعديلات على المنطقة ككل.
- التواصل القانوني والتشبيك مع الحقوقيين: من المهم التشبيك مع ناشطات وحقوقيين للتفكير في استخدام القانون الدولي. يمكن تقديم شكاوى للمحكمة الدستورية العراقية حول تناقض التعديلات مع الدستور، أو رفع دعاوى دولية لضمان الضغط القانوني على الحكومة العراقية.
- إشراك المجتمع في رفض التعديلات: إشراك كافة شرائح المجتمع، وخاصة الرجال في البرلمان والمجتمع المدني، أمر ضروري. يمكن تنظيم احتجاجات أمام البرلمان، وتسليط الضوء الإعلامي على قصص النساء المتضررات من تزويج القاصرات لجذب التأييد الشعبي.
- التركيز على الآثار الاجتماعية للتعديلات: يجب إقناع المجتمع بالتأثير السلبي الذي سيحدثه تمرير التعديلات على حياتهم ومستقبل أطفالهم، مثل حرمانهم من التعليم وزيادة مستويات الفقر والاستغلال.
- حشد الدعم النسوي العالمي: التواصل مع المنظمات النسوية الدولية لشرح خطورة التعديلات المقترحة والتشبيك معها للضغط على حكوماتها يمكن أن يساعد في تعزيز القضية دوليا.
- التواصل مع مقرري حقوق الإنسان: مراسلة مقرري حقوق الإنسان ودعوتهم لزيارة العراق ستكون رسالة مهمة للحكومة العراقية للنظر بجدية في عدم تمرير التعديلات.
- التعمق في دراسة قوانين الأحوال الشخصية على مستوى المنطقة بأسرها، بهدف سبر الثغرات فيها، وتبادل الخبرات، والاستفادة من التجربة العراقية قدر الإمكان.
- العمل المتأني والحثيث على تثقيف النساء (العراقيات) سياسيًا ودينيًا، بهدف اختراق تلك الميادين العامة على المدى المتوسط والبعيد.
- في خضم هذا النضال المستمر ضد تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق، يصبح التكاتف النسوي العربي والدولي ضرورة ملحة لحماية حقوق النساء والأطفال. التعديلات المقترحة لا تمس العراق وحده، بل تمثل تهديدًا يمتد أثره إلى المنطقة بأسرها، ما يستوجب تحركًا جماعيًا يعزز من دور القانون الدولي والإعلام والوعي المجتمعي في التصدي لمثل هذه القوانين. فقضية العدل والمساواة لا تعرف حدودًا، وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع.
*بيت النرجس: مساحة نسوية ثقافية افتراضية تنقسم إلى عدة مجموعات نشيطة، من بينها (ورشة نسوية) التي تهتم بدراسة الفكر النسوي على وجه الخصوص، وهدفها دعم الإنتاج المعرفي والحوار النسوي.