دينا الشيخ حيدر
بعد زواجها بثلاثة أيام، أصبحت أما لطفلين، الأول في الثامنة، والثانية في الرابعة.
لم تمانع كونها في الثلاثين من العمر ولو تزوجت باكرا لكان معها مثلهما، اعتبرت مهمتها الأمومية الجديدة التطوعية مهمة إنسانية لطفلين لا ذنب لهما، لكن ما لم تفكر به هو المحيط الاجتماعي الذي اعتبرها مسؤولة مسؤولية كاملة بدءا بوالدهما وانتهاء بالمجتمع والأقارب.
كانت تصحو في السادسة لتعد الإفطار، وتلبس الطفلين وتتأكد من حقيبة المدرسة، وتعد الشطائر وتسرح الشعر وتركض هنا وهناك لتلحق موعد الباص للأول، وتجهز الشاي الأخضر لزوجها الذي يتمطى في سريره، ثم تسرع نحو السيارة ليوصلا الطفلة إلى الروضة، وهناك عليها أن تهدئ روع الطفلة وتعدها بالقدوم باكرا عائدة إلى السيارة ودموعها على خدها ألماً لبكاء الطفلة.
تصل عملها مرهقة، تتناول فنجان قهوتها مع زميلاتها، تسرع بعدها نحو مهماتها، وحين تقترب الساعة من الواحدة، تهرع لكتابة إجازة ساعية لتلحق موعد الروضة على الرغم من امتلاك الأب لسيارة وحرية في مواعيد عمله التجاري الحر إلا أن وظيفة إحضار الطفلة كانت لها بحجة تسريع تعودهما على بعضهما تنزل الشارع وسط نظرات زميلاتها غير الراضيات ضمنيا على خروجها الباكر يوميا تنتظر سيارة الأجرة تستقلها مستعجلة السائق تستلم الطفلة من المعلمة وتعود لتعطي السائق المنتظر عنوان بيت جد الطفلين لتحضر الولد الذي ينتظرها عند حماتها التي لا تترك فرصة لإشعار الطفلين بأنها زوجة الأب وليست الأم بقولها تعال حبيبي اجت خالتك فيرد الطفل هي ماما مو خالتي تلوي العجوز شفتيها وتغلق خلفهم الباب .
تصل الأم الحديثة العهد بالطفلين إلى البيت راكضة نحو المطبخ، تحضر الغداء، وتضع الملابس في الغسالة، وأثناء الطبخ تقوم بلمّ الأغراض المتناثرة هنا وهناك .
يتناولون الغداء عند وصول الأب الذي ينهي طعامه ويدخل غرفته لأخذ قيلولة، تلم الأطباق وتعود لتفحص واجبات الطفلين المدرسية، وبين أخذ ورد وبكاء واعتراض، تنتهي الواجبات مع انتهاء الغسيل، تصعد السطح، تنشره، ثم تنزل، تحاول مع فنجان قهوتها أن تسترخي، لكن الطفلين يلعبان، يصرخان، يقتتلان على الألعاب، وبين هذا وتلك يخرج الأب من غرفته متسائلاً عن قهوته، تعدها على عجل، يشربها وهو يرتدي ملابسه للخروج، بينما تجهز الطفلين للنوم، تضعهما في السرير، وتروي قصة له، وأغنية لها، ثم تعود لمطبخها لتنظفه وتعد شيئا لغداء الغد …
أخيرا تدخل غرفتها، تخلع تعب يومها وترتدي أفكارها. لقد سُحبت منها مهمات في العمل وتقلصت صلاحياتها بحجة أنها لم تعد بنشاطها وتفرغها السابق ألأنها تزوجت ألأنها باتت أما تخفض رتبتها؟
يوما بعد ٱخر يتكرر السيناريو اليومي نفسه وحدها المسؤولة، ووحدها تمرض وتطعم وتطبخ وتنظف وتراعي وتعمل في البيت وخارجه، ويوما بعد ٱخر تنسى نفسها، تنسى هوايتها المحببة مع القلم والورق، تنبت لها جذور وتتحول لشجرة لا تبرح مكانها، بل ترمى بحجارة اللوم وجملة “ماحدا جبرك” !.