لم يصلِّ عليهم أحد

دونت رحاب منى شاكر

أنهيت لتوي قراءة رواية (لم يصلِّ عليهم أحد) لخالد خليفة، وسأجتمع بعد قليل مع نادي نرجس لمناقشتها. هذه ثالث رواية أقرأها لخالد خليفة، وبالنسبة لي هذه الرواية هي الأقوى من حيث البنية والنفس الروائي. الرواية عبارة عن ملحمة سورية صغيرة، حتى أنها ذكرتني بأسلوب غابريل ماركيز، بما فيها من الواقعية السحرية والتشعب في خيوط السرد دون أن تضيع القارئة. تتناول الرواية ثيمات سياسية واجتماعية كثيرة من تاريخ سوريا على مدار ما يقارب المائة عام، ولكن أهم ما فيها هو تلك التفاصيل الصغيرة واللامتناهية حول حيوات الناس ومشاعرهم ومصائرهم. الحب هو الثيمة المركزية في رأيي، وكما توقعت، فالكاتب يقدم صورة وردية عن الحب وعذاباته. هذه الصورة قد تعبّر عن نظرية الكاتب، ولكنها في رأيي تعبر أيضًا عن نظرية كثير من الرجال في مجتمعاتنا: الحب الذي يخلط بين صورة الأم والحبيبة، الحب الذي يمتد ويمتد طالما أنه لم يتحقق جسديًا، والجنس السعيد المنفصل عن الحب، والفصل الشديد بين الحبيبة والعاهرة. وأهم شيء طبعًا حب الحب والتصالح معه من دون أدنى غضب حول الاختلال المحتمل في الموازين الجندرية. سأورد لكم مقطعًا من الرواية اقتطفته من رسالة حنا إلى سعاد في نهاية الرواية. كان حنا يحب سعاد طيلة حياته، ولكنهما لم يجتمعا بسبب اختلاف الدين والطائفة:

“توقفت عن قراءة الكتب التي أحضرها لي الأب ابراهيم، اعتقدت للحظة بأن من العبث فهم حقيقة الله، وتنوع الأديان. شعرت بأنني فعلت أشياء كثيرة تكفيرًا عن ذنوبي، لكن ما فعلته بك يحتاج التكفير عنه إلى أعمار كثيرة. كنتِ سعادتي التي أضعتها، كنت يقيني الذي أحتاج إليه في كل لحظة، لكني كنت مبعثرًا طوال هذه السنين، وتأملاتي كانت تزيدني حيرة، لماذا لم أكن زهرة رمان على غصنك، أنت الشجرة التي أحب؟

كم سيكون رائعا بكائي حين يقطفونني، حين أغادرك لأعود في العام المقبل مشتاقًا، احتضنك، ألتصق بك كما يليق بزهرة رائعة تتحول ببطء إلى ثمرة. لا أحد يرانا وأنا أدخل نسغك، وأحتجب عن كل ما هو مرئي. لو كنت تلك الثمرة لأصبحت حياتنا التي عشناها أكثر براءة.

فكرت كثيرًا بك كصورة عن الله الذي أحب، فكرت بك كصورة عن اليقين الذي أبحث عنه، أنت لست امرأة بل نهر أستريح في قاعه من حرقة الأسئلة. نعم، قد يكون الحب هو السعادة الوحيدة القريبة من أصابعنا التي لم تستطع التقاطها”

شاركنَ المنشور