https://www.freepik.com/free-vector/flat-feminist-flag-illustration-with-woman_12672788.htm#page=2&query=Feminism&position=1&from_view=search&track=sph&uuid=7159be35-74c6-418c-aaf5-a9a2e7bd1f14

عن الموجات النسوية

من صفحة رحاب منى شاكر على الفيسبوك

من أكثر الأسئلة التي تُطرح عليّ هو إذا كان لدي مرجع مختصر يصف الموجات النسوية الأربع. للأسف لا أملك هذا المرجع بالذات، ولكن من خلال قراءاتي المختلفة يمكنني استخلاص بعض الأمور حول الموجات النسوية الأربع. سأحاول أن أكتب عنها في هذا المنشور، لعلها تكون مفيدة بطريقة ما.

ولكن قبل ذلك، من المهم الإشارة إلى أن مفهوم “الموجات” يتبع التأريخ الغربي للحركة النسوية، أما بلادنا التي عانت من الاستعمار والاستبداد وفوضى الثورات لا تتبع هذه الموجات حرفيًا حسب رأيي. هكذا نرى حاليًا في منطقتنا نساء أقرب لخطاب الحركة النسوية الأولى يكافحن جنبًا إلى حنب مع نساء خطابهنّ أقرب للحركة النسوية الثانية أو الثالثة أو حتى الرابعة. التطور في بلداننا لم يأت بالسلاسة نفسها كما حصل في الغرب، فضلَا عن ترافقه غالبًا مع الحركات القومية أو الثورة على الاستبداد السياسي، أي أن الحركات النسوية في بلداننا انبثقت مع مرحلة اضطراب سياسي عام وقلقلة وعدم استقرار مقارنة مع الموجات في الغرب التي عاصرت بعضها ازدهارًا سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا. أنصح من أجل فهم الحركات في بلداننا بقراءة كتاب بو علي ياسين (حقوق المرأة في الكتابة العربية منذ عصر النهضة)، وكتاب كوماري جاياواراد (النسوية والقومية في العالم الثالث).

أما بالنسية للموجات النسوية الأربع، فيمكن تلخيصها فيما يلي:

الموجة النسوية الأولى التي انطلقت في نهايات القرن التاسع عشر وامتدت حتى العشرينات من القرن العشرين، كان هدفها الأول الحصول على حق التعليم للنساء وحق الانتخاب والترشح. تختلف مدة هذه الموجة من بلد إلى بلد، ولكن في هولندا حصلت النساء على حق الانتخاب في 1919. كانت رائدات الموجة النسوية الأولى من الطبقة الأرستقراطية والمتوسطة، وذلك لأنهن حصلن على درجة من التعليم في المنزل من دون أن يُسمح لهن بدخول الجامعات والمكتبات، أو المشاركة السياسية في البرلمان.

تراجعت الحركة النسوية بعد العشرينات بسبب تحقيق أهدافها الأولى، ولكنها انبثقت من جديد في ستينات وسبعينات القرن العشرين، حيث اكتشفت النساء أن حق التعليم والانتخاب لم يغير وضع المرأة بشكل معقول، وبقيت النساء حبيسات المنزل وتابعات في كثير من الأمور القانونية. لذلك انطلقت الموجة النسوية الثانية، ولكل بلد غربي تاريخه الخاص في هذا السياق، حيث شكل كتاب (اللغز الأنثوي) لبيتي فريدان بداية حراك جديد في أمريكا، أما في هولندا، فلقد كان نص (نزق المرأة) ليوكه سميت هو الطلقة الأولى في الموجة النسوية الثانية. ويجب ألا ننسى تأثير كتاب سيمون دوبوفوار (الجنس الآخر)، الذي صدر في نهاية الأربعينات، في التمهيد للموجة النسوية الثانية، رغم أن سيمون كانت تعمل بشكل منفرد، ولم يكن ثمة حراك من حولها.

ولكن سرعان ما بدأت رائدات الموجة الثانية بالمطالبة بالمساواة القانونية، وإعادة توزيع الأدوار الجندرية بحيث تتمكن المرأة من العمل خارج المنزل والمشاركة في بناء المجتمع. كما ترافقت الموجة النسوية الثانية بالثورة الجنسية مما ضمّ أمور الجسد إلى قائمة المطالب، وهكذا أصبح حق الإجهاض من أهم المواضيع التي اشتغلت عليها النسويات.

تُنتقد الموجة النسوية الثانية بأنها كانت تهتم بالدرجة الأولى بمصالح النساء البيضاوات المنتميات إلى الطبقة الوسطى. وهذا صحيح فعلا، ولكنه ليس مستغربًا جدًا من منظوري، لأني معظم الرائدات يحتجن أن يشتغلن على أنفسهن أولًا، قبل أن يتمكنّ من توسيع موقعيتهن واكتشاف نقاطهن العمياء.

وهنا جاءت الموجة النسوية الثالثة اعتبارًا من ثمانينات القرن العشرين من أجل سد هذا التقصير، فنشأت النسوية السوداء في قلب الحركة النسوية من أجل الدفاع عن حقوق المرأة السوداء، وكذلك النسوية الاشتراكية ونسوية العالم الثالث من أجل الدفاع عن النساء المنتميات إلى الطبقة الفقيرة والجنوب الكوني، والنسوية البيئية من أجل الربط بين استغلال المرأة والطبيعة. أي أن التفكير النسوي التقاطعي نشأ أثناء الموجة النسوية الثالثة. كما صدرت في تلك الفترة مجموعة كبيرة من الكتابات النسوية التنظيرية ودخلت النساء سوق العمل بأعداد غير مسبوقة.

وبعد فترة من الخمول استغرقت عقدين أو أكثر، انطلقت منذ بضع سنوات حركة مي-تو (أنا أيضًا) وغيرها من الحركات المحلية في جميع أرجاء العالم، وجميعها تركز على السلامة الجسدية للمرأة من التحرش والعنف بجميع أنواعه، مما فتح ملفات نسوية مختلفة. والأمر الذي يميز هذه الموجة الرابعة هو اعتمادها بشكل أساسي على وسائل التواصل الاجتماعي والإمكانيات السيبرانية الجديدة، مما يسهل التواصل بين النساء محليًا وعالميًا.

هكذا أفهم الموجات النسوية الأربع، وأكرر أن هذا التقسيم غربي، ولا ينطبق تمامًا على الحركات التي نشأت في العالم الثالث.

شاركنَ المنشور