هبة هنداوي | شبكة المرأة السورية
حديث ذو شجون قديم، حديث، ومتجدد. تختلف أشكاله ومظاهره ويختلف معه حجم الأذى والضرر الذي يلحق بالمرأة سواء كانت طفلة صغيرة أو امرأة طاعنة في السن. بعض المجتمعات تمارس أعمالا لا ترى فيها أي نوع من الإساءة لأنها اعتادت على ذلك بينما الأمر مؤذٍ ومرفوض. بعض النساء توارثن الكثير من المفاهيم الخاطئة التي فيها عنف خفي ويتقبلنه بكل أسف وأسى وهن لا يدركن أنه مظهر من مظاهر العنف ضدهن.
لا يجب اختزال العنف في السباب والشتائم والألفاظ غير اللائقة التي توجه للمرأة من أفراد أسرتها أو زوجها أو حتى أبنائها في بعض الحالات البائسة. الكلمة الجارحة لا تقل ألما عن نصل سكين حاد. التحكم في حياتها بقرار ظالم أو إجراء طاغٍ هو بمثابة حكم إعدام لها. التحكم في مصيرها تحت دعوى الأعراف السائدة أو سلطة الأبوين أو الأخ أو العم أو الخال عنف تتعرض له الكثير من النساء ولا يجدن صدى له. وتكون الكارثة عندما تؤيد أشكال الظلم هذه نساء مثلهن يشاركن في إجبارهن وحرمانهن من أبسط الحقوق الإنسانية.
كتبت مجموعة قصصية اسمها(كبوة). عشر قصص من واقع الحياة لعشر سيدات وبنات عشت بينهن ورأيت معاناتهن فتأثرت بها وغضبت لما لاقين فقررت أن أكون صوتهن العالي وكلماتهن التي عجزن عن البوح بها. قرأ الناس الحكايات التي كانت يوما حبيسة في صدور صاحباتها. كشف المستور وترددت الصرخات في كل مكان. انهالت علي بعدها التعليقات: متى أصبحتِ نسوية؟ لقد اعتنقت أفكار جماعة (فيمينست)!
كلمات سخيفة وتعليقات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب. لا أحب هذا المصطلح ولا أحب استخدامه ولا أن يتم إدراجي في مظلته. هل الدفاع عن الحق سبة؟ هل التفاعل مع مشاعر الظلم التي تتعرض لها المرأة أمر مشين؟ أليست بشرا ولها حقوق؟ الحق حق والعدل عدل سواء استحقته امرأة أم استحقه رجل. لماذا علينا دوما قولبة الأمور وفلسفتها ووضعها في لائحة طويلة من المصطلحات.
تحدثت في مجموعتي عن حسيبة وهي امرأة أجبرتها ظروف الفقر وقلة الحيلة على الزواج من شخص أهانها وأجبرها على العمل بينما هو جالس في البيت ينتظرها وينتظر مالها آخر اليوم. تقدم نفسها قربانا كل ليلة عله يعتق روحها من الهوان ويكف أذاه عنها. يرميها بعد أن يستنزفها جسديا وماديا. تضطر للعيش مع أخ وزوجته أكثر منها حاجة. يضم ثلاثتهما غرفة واحدة. تضطر ترك البيت معظم الوقت بناء على طلب زوجة أخيها لمنحها بعض الخصوصية مع زوجها. تنصاع للطلب المشروع لكنها لا تجد مكانا آخرا تلجأ إليه. تذهب للمسجد في أوقات الصلاة وبعدها تهيم على وجهها في الشوارع حتى ينتهي اليوم. يكتشف الأخ غيابها غير المبرر. تصمت حتى لا تحدث وقيعة بينه وبين زوجته. تحفظ سر الزوجة فتدفع الثمن اتهامات منه بالفجور. يتهم الأخ أخته ولا يعطيها مجالا للتفسير فينهال عليها ضربا، لكنها تؤثر الأذى على خراب بيت امرأة أخرى.
منى، أرملة شابة توفي عنها زوجها. تعمل في مكان حكومي يكفل لها عددا من الميزات وإن قل دخله. تتعرض لتحرش مديرها المستمر. قصة بائسة متكررة تتعرض لها كل النساء في كل مكان. لكن ما أثار حنق هذه السيدة هو عدم تفاعل زميلاتها في العمل مع ما تتعرض له. بدلا من أن يثرن ويغضبن لتجاوزات المدير واستغلاله للموقف يشجعنها على التحايل عليه للحصول على مكاسب! تواطئن معه ضدها في مشهد حقير. لم تستطع الشكوى لأخيها خوفا من اتهامه لها بأن ملابسها أو ابتسامتها هما السبب في إغواء الرجل. تشكو لنساء مثلها علهن يشعرن بها فتجد أنهن يشعرن بالغيرة منها لتفضيله لها بدلا من التكاتف معها ومؤازرتها لاتخاذ الإجراء الرادع. أليس هذا عنفا من المرأة ضد المرأة؟
زينب، أم لطفلين تركها زوجها من أجل أخرى. ما الجديد في ذلك؟ الجديد هو الشيب الذي بدأ يغزو رأسها والحبيب الذي يريد الزواج منها رغم ذلك. يعارضها الجميع وينكرون عليها الحق في الحياة والزواج كما لو كانت رغبتها شيئا مشينا. يحرمون ما أحل الله تحت دعوى العرف السائد والتقاليد السارية. تتعرض للهجوم والإهمال حتى تسلم الروح وحيدة في غرفتها لا يلاحظها أحد. أعرف أرملة شابة في صعيد مصر توفى عنها زوجها وهي ابنة العشرين عاما وبعد أن وضعت طفلها الأول والوحيد. حكم عليها بالحياة وحيدة أبد الدهر وإلا سيأخذ الأهل منها ابنها! ألا يعد هذه التعنت في رفض زواج المطلقة والأرملة مرة أخرى عنفا يمارس ضد المرأة؟
عندما أجد فتاة فلسطينية تصرخ لأنها لا تجد فوطا صحية بسبب الأوضاع المأساوية التي تعيش فيها بسبب العدوان الإسرائيلي فلست بحاجة لأن أكون نسوية لأشعر بالغضب من أجلها. يكفيني أن أكون إنسانة وامرأة مثلها لأدرك ما معنى ما تقوله وما توابع مواجهة الدورة الشهرية دون استعدادات آمنة. لا يصح الاستهانة بصرختها أو التقليل من شأن هم كهذا. من لم يعط الأولوية لمثل هذه الحاجة الضرورية فإنه يمارس نوعا من أنواع العنف. من يستهزيء بالطلب في التعليقات يمارس نوعا من أنواع العنف ضد المرأة بحرمانها من مجرد حقها في التعبير عن ضرورة شهرية تحولت لمعاناة في ظل ظروف لا إنسانية.
عندما تعبر المرأة عن مشاعرها وما يؤلمها وما يسيء إليها ويتم تجاهل ما تقوله ومعاملتها كشيء لا إرادة له فهذا عنف. كفل الله لها حرية التصرف في مالها وحياتها بما لا يخالف أوامره هو لا أوامر البشر. لكن عندما تجاوز الناس حدود سلطتهم وظنوا أنهم يملكون زوجاتهم وبناتهم وأخواتهم وكل من هن في رعايتهن ظلموا المرأة وأهانوها. النساء شقائق الرجال بحسب الحديث الشريف، (لهن مثل الذي عليهن) كما أعطاهن القرآن الكريم من الحقوق. لا يحتاج الأمر لدعوات نسوية أو جماعات حقوقية فالأمر بديهي وبسيط والقواعد لا لبس فيها لو أننا فقط تمسكنا بها ونفذناها.