بقلم أسماء الضياعي
منقول من صفحة منظمة نون لبناء السلام
إلى مخيمات اللجوء في الدول المجاورة، هرب السوريون من مأساة الحرب، ليجدوا أنفسهم أمام مأساة من نوع آخر فرضت عليهم واقعاً مليئاً بالتحديات، وأُجبروا على العيش في ظل ظروف صعبة وشديدة التعقيد، حيث يعاني معظم اللاجئين السوريين في مئات المخيمات المنتشرة بين مناطق البقاع وعرسال وشمالي لبنان، ومعظمها بلا بنية تحتية وتعاني من نقص حاد في مستلزمات التدفئة والمساعدات الغذائية والعينية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التعليم والخدمات الصحية في ظل ظروف اقتصادية متردية، ويقع الضرر الأكبر على الفنات الأكثر هشاشة من النساء والفتيات والأطفال، حيث تواجه النساء اللاجئات في لبنان صعوبات في الوصول إلى الرعاية الصحية.
ونتيجةً لنقص التمويل الدولي، اضطرت المفوضية إلى فرض نظام يقيّد مجموعة الشروط التي يجب على اللاجئ/ة أن يستوفيها للحصول على العلاج في المستشفيات. وفي كثير من الحالات، يُرفَض دخول اللاجئين السوريين إلى المستشفيات، حتى وإن كانوا يعانون من أعراض صحية خطيرة.
فمن (وادي خالد)، بدأت أم يوسف حديثها:
“ماعاد فكر بكل شي عم نعاني منه قدام الوجع اللي عم تعيشو بنتي ‘حلا ‘ كل يوم. انولدت ‘حلا ‘ بتشوه خلقي برجلها، وهي بحاجة لعملية مكلفة مادياً فوق قدرتنا والأمم المتحدة ما تكفلتها. ماخلينا جمعية ومارحنا عليها بس محدا ساعدنا. بنتي رح تكفي حياتها مع إعاقة دائمة إذا ماعملت العملية، أنا وأبوها كل يوم عم نموت الف مرة حسرة عليها ولا طالع بإيدنا شي”.
أما نور ذات (18 عاماً) من مخيم (عرقا) فلها معاناة أخرى على حد تعبيرها:
“هالكم خشبة وشادر للي اسمها خيمة، عم تسبح فيها المي من فوق وتحت، ما عنا شي نتدفا عليه. أخواتي صغار، وأبي مريض ما فينو يشتغل ، أنجبرت أنا وأخي نترك المدرسة و نشتغل ببيع المحارم بالشوارع، لحتى نقدر نعيش ونأمن دوا لأبي . وكلشي صاير غالي “.
تظهر مشكلة الحاجة المالية كتحدٍ رئيسي تُبلِغ عنه اللاجئات في لبنان، حيث يتعين على معظمهن التصدي لضغوط تأمين تكاليف الإيجار والحصول على الطعام وشراء الضروريات المنزلية، وغالبًا ما يُعتبر العمل في الحقول المجاورة لمخيمات اللاجئين الخيار الوحيد المتاح أمام النساء، حتى وإن امتلكن شهادات تعليمية ومهنية. فإنهن يمثلن قوة عمل رخيصة وقابلة للاستهلاك في ظل منع اللاجئين السوريين من القيام بمعظم الوظائف في لبنان.
تقول أم محمد من مخيم (دير دلوم)، وهي أم لثلاثة أطفال:
“أنا بنت مدينة وما بعرف شيئًا عن الزراعة والأراضي، بس بعد ما اختفى زوجي بسوريا، انجبرت أشتغل بالأراضي الزراعية لحتى أقدر عيش وطعمي ولادي. أنا عندي مهنة الخياطة، بس مافي قدرة مادية لأجيب ماكينة خياطة، ما كان عندي حلّ غير اشتغل بالأراضي مقابل أجر. يلاااا، يعيشني أنا وهالأطفال “.
الأسوأ من كل هذه الظروف، أن الفتيات يبقين بشكل عام خارج أي عملية تعليمية أو توعوية. وفضلاً عن ظاهرة التزويج المبكر، فإنّ قضايا التحرش الجنسي بالفتيات القاصرات، تعتبر ظاهرة موجودة وبكثافة داخل المخيمات وخارجها.
ويظهر العنف الواقع على الفئات الهشة خلال الحروب المتعددة بأشكال ومستويات عدة، سوى أن آثار هذا العنف غالبًا ما تكون مضاعفة وأكثر تعقيدًا على النساء والفتيات. إذ تعاني النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي ضمن البيئة التي يعشن فيها سواء من قبل الأسرة والعائلة، أو ضمن مجتمع اللجوء الذي ينتمين له، وصولاً إلى المجتمع المضيف.
وتتعدد العوامل التي تمنع النساء والفتيات من الوصول إلى الحماية القانونية في لبنان وأهمها البيروقراطية الممارسة من قبل الدولة، والمتجسدة في العقبات القانونية التي تواجه اللاجئين عموماً، والنساء بشكل خاص. مثل صعوبة الحصول على الوثائق القانونية المطلوبة، وغياب الدعم القانوني والتكاليف الباهظة في الإجراءات الرسمية.
يؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في جنيف، أنه وعلى الرغم من أن لبنان صادق على العديد من القوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، إلا أنه لم ينجح في حماية اللاجئات السوريات من العنف القائم على النوع الاجتماعي على أراضيه ، وأن المعايير الاجتماعية، الثقافية والأبوية ونقاط الضعف المتقاطعة المستمدة من العرق والجنس والوضع القانوني، تجعل النساء السوريات عرضة للعنف القائم على النوع الاجتماعي. ففي العام 2022، شكلت النساء السوريات نحو 74% من الناجيات المسجلات في نظام إدارة المعلومات المتعلق بالعنف المبني على النوع الاجتماعي
و يعد الوضع القانوني غير المؤكد لـ 85% من النساء السوريات في لبنان، أحد العوائق الرئيسية التي تحول دون سعي الناجيات إلى العدالة القانونية. وبدلاً من الحصول على الحماية، تتعرض الناجيات إلى خطر عنفٍ ثانويٍ مثل الاحتجاز أو أن يتم إجبارهن على العودة إلى سوريا.
إن الوضع الراهن يتطلب أكثر من مجرد الاعتراف بالتحديات، بل يستدعي جهودًا مكثفة ومستمرة، ليس فقط من مفوضية الأمم المتحدة التي يجب أن تزيد من حجم التمويل المخصص للمساعدات الإنسانية، لاسيما في الدول التي تعاني من أزمات اقتصادية. ولكن أيضًا من الجهات الدولية الفاعلة الأخرى، التي يمكنها المساهمة في تحسين أوضاع اللاجئين عمومًا، والنساء والأطفال بشكل خاص. والعمل على تعزيز التوعية وتوفير التعليم للفتيات والأطفال داخل وخارج المخيمات، لتمكينهم من بناء مستقبل أفضل. ويعتبر التمكين الاقتصادي، من خلال برامج تأهيل مهني للنساء، وتوفير فرص عمل، خطوة حيوية نحو إعادة بناء حياة اللاجئات بكرامة واستقلالية.
على المجتمع الدولي أن يقف ـــ قبل أي شيء ـــ عند مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية، ويعمل على تعزيز الجهود لإعادة توطين النساء السوريات في لبنان اللواتي يتعرضن لمخاطر متزايدة، مع التركيز على الحالات التي تشمل العنف والاعتداء والاستغلال، وتقديم دعم فعّال للنساء اللاجئات في لبنان وتحسين فرص الوصول إلى الخدمات الرئيسية في الحياة للوصول إلى حقوقهن الأساسية في العيش الكريم والآمن.
إن واقع النساء والفتيات السوريات اللاجئات في لبنان يبرز بوضوح التحديات متعددة الأبعاد التي يواجهنها، والتي يتمثل أهم أوجهها في غياب تكافؤ الفرص بالوصول إلى الموارد الأساسية خلال الأزمات، لأسباب تتعلق بكونهن نساء بالدرجة الأولى. الأمر الذي يعمق من هشاشة هذه الشريحة، ويجعلها أكثر عرضة للعنف والاستغلال، وأقل قدرة على تحسين أوضاعها المعيشية.